وليد بدران
بي بي سي
في 18 يونيو/ حزيران من عام 1805 تولى محمد علي منصب الوالي على مصر وذلك بعد ثورة الشعب ورجال الدين على الوالي العثماني خورشيد باشا، ومحمد علي هو مؤسس الأسرة العلوية وحاكم مصر ما بين عامي 1805 إلى 1848، ويوصف بأنه “مؤسس مصر الحديثة”.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن محمد علي ولد عام 1769 بقولة في مقدونيا، بالإمبراطورية العثمانية (في اليونان حاليا)، وتوفي في 2 أغسطس/ آب من عام 1849، في الإسكندرية بمصر، وكان نائب السلطان العثماني على مصر بين عامي 1805 و1848 وهو مؤسس الأسرة الحاكمة التي حكمت مصر من بداية القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين.
الصعود إلى السلطة
ففي عام 1798 هزم جيش فرنسي بقيادة نابليون بونابرت قوات المماليك، وهم طبقة عسكرية وراثية تكونت في الأصل من الرقيق الذين اعتنقوا الإسلام، وكانوا يحكمون مصر التي كانت في ذلك الوقت ولاية شبه مستقلة تابعة للإمبراطورية العثمانية.
فقدم محمد علي إلى مصر عام 1799 ضمن فرقة عسكرية عثمانية للعمل على إخراج الفرنسيين منها، لكنّ القوات العثمانية انهزمت في موقعة أبي قير البرية، ومن ثمّ عاد إلى بلده.
بعد طرد الفرنسيين من مصر على يد القوات البريطانية في عام 1801، صار هناك فراغ في السلطة، حيث تنافس المماليك، وقوات السلطان، ومجموعة من القوات الألبانية تحت قيادة محمد علي، والعديد من القوى المحلية على السيطرة على مقاليد البلاد.
وتمكن محمد علي من التحالف مع التجار المحليين ورجال الدين، وفي 18 يونيو/ حزيران من عام 1805 عينه السلطان سليم الثالث واليًا على مصر.
عقبات وتحديات
لقد تعرض للتهديد من قبل المماليك والبريطانيين والزعماء المحليين وأمراء الحرب من أجزاء أخرى من مصر حيث أنه كان يسيطر بشكل أساسي على القاهرة فقط في هذه المرحلة.
وجاء التحدي الأول عندما أمر السلطان والي سالونيك بالذهاب إلى القاهرة وتغيير المناصب مع محمد علي، لكن ذلك الحاكم تراجع عن الخطة في مواجهة الدعم المحلي القوي لمحمد علي.
وقد دعم البريطانيون في ذلك الوقت المماليك كثقل موازن لقوة السلطان العثماني، وكانت لهم مصالح خاصة بهم في فتح طرق نقل آمنة إلى مستعمراتهم في الهند. وفي عام 1807 هاجم البريطانيون الإسكندرية ورشيد، ولكن تم صدهم من قبل جيش الباشا.
ثم جاء الفصل الأكثر عنفا في توطيد محمد علي لسلطته في عام 1811، عندما دعا مجموعة كبيرة من المقاتلين المماليك للمشاركة في عرض عسكري كبير. وعندما دخل المماليك إلى ساحة كبيرة أغلقت قوات الباشا البوابة أمامهم وفتحت النار من فوق الأسوار. وكانت النتيجة مذبحة أنهت فترة النفوذ المملوكي في مصر.
وكان العرض الذي دُعي إليه المماليك احتفالاً بإرسال قوات الباشا، بقيادة ابنه طوسون باشا، لاستعادة مدينتي مكة والمدينة من قوات الدولة السعودية الأولى حيث تم الاستيلاء على مكة والمدينة ووضعهما مرة أخرى تحت حكم السلطان الجديد محمود الثاني. وأرسل الباشا مبعوثاً إلى السلطان يحمل مفاتيح المدينتين، لكن رد السلطان كان حث المبعوث لطيف آغا على القيام بانقلاب على الباشا. وعلم محمد علي بالمؤامرة فأمر نائبه محمد لاظوغلو بالقبض على لطيف آغا وقطع رأسه.
لم تكن هناك فرصة في أي مكان في الإمبراطورية العثمانية لإعادة هيكلة المجتمع بشكل كامل أكثر من مصر. فقد أدى الاحتلال الفرنسي الذي دام ثلاث سنوات (1798-1801) إلى تعطيل البنية السياسية والاقتصادية التقليدية للبلاد، وذلك بحسب دائرة المعارف البريطانية.
واستكمالًا للمهمة التي بدأها الفرنسيون، وضع محمد علي حدًا للمجتمع المصري التقليدي. فقام بالقضاء على المماليك، الأوليغارشية الحاكمة السابقة، وصادر مساحات كبيرة من ملاك الأراضي، وأحال الزعامات الدينية إلى التقاعد، وقيد أنشطة التجار المحليين وجماعات الحرفيين، وقام بتحييد البدو، وسحقت قواته جميع حركات التمرد بين الفلاحين.
وقام بتحسين نظام الري في مصر وأدخل محاصيل جديدة مثل القطن، وأعاد تنظيم الهيكل الإداري للحكومة لضمان الرقابة الصارمة على الاقتصاد. كما حاول بناء نظام صناعي حديث لمعالجة المواد الخام في مصر.
كانت مشاريع البنية التحتية التي قام بها طموحة وبعيدة المدى، وكان إنجازه الأكثر إثارة للإعجاب هو إعادة بناء القناة القديمة التي ربطت الإسكندرية بنهر النيل.
وفي عهد الباشا، تضاعف إجمالي طول قنوات الري في مصر، وزادت مساحة الأراضي المزروعة بين عامي 1813 و1830 بنحو 18 في المئة.
وقد أنشأ أسطولًا وجيشًا من المصريين المجندين من طبقة الفلاحين ولكن بقيادات غير مصرية. فقد وظف الباشا ضابطًا فرنسيًا هو جوزيف انتيلمي سيف لتدريب المجندين الجدد، والذي صار لاحقا سليمان باشا الفرنساوي.
ولتوفير الخدمات لقواته ولجيشه، أنشأ مدارس على النمط الغربي لتدريب الأطباء والمهندسين والأطباء البيطريين وغيرهم من المتخصصين. كما بدأ بإرسال بعثات تعليمية إلى الدول الأوروبية للتدريب على التقنيات الحديثة.
وكانت النتيجة الأولية لتزايد قوة محمد علي العسكرية هي أن السلطان محمود الثاني حاول إضعافها بإرسال قوات بقيادة نجل الباشا إبراهيم باشا لمحاربة المقاتلين الذين يناضلون من أجل استقلال اليونان عن الإمبراطورية العثمانية .
وكما توقع الباشا نفسه، فإن الحملة لم تنجح، وقد تسبب التدخل الأوروبي في اليونان في تدمير أسطوله في معركة نافارينو عام 1827. وكانت نتيجة فشل تلك الحملة هي استقلال اليونان.
محاولات التوسع
وكانت ثلاثينيات القرن التاسع عشر بمثابة ذروة طموحات محمد علي التوسعية. وقد أكسبته حربه الأولى ضد السلطان (1831-1833) السيطرة على سوريا حتى شمال أضنة .
فبعد التفكير الأولي في التوجه غربًا نحو طرابلس، شن غزوًا لسوريا في عام 1831، بحجة أنه كان يحاول فقط اعتقال مجموعة من 6 آلاف مصري من المتهربين من الخدمة العسكرية.
واستولت قوة قوامها 30 ألف مقاتل بقيادة ابنه إبراهيم باشا على مدينة عكا (الآن في شمال إسرائيل) بعد حصار دام ستة أشهر، واجتاحت بقية سوريا، ثم تقدمت إلى منطقة الأناضول في تركيا الحالية في عام 1832. وفي معركة على سهول الأناضول شمال قونية بتركيا، هزمت قوات الباشا القوات العثمانية بقيادة الصدر الأعظم محمد رشيد باشا، وبات الطريق مفتوحا إلى الأستانة والقصور الإمبراطورية.
وهرع السلطان التركي لطلب المساعدة من القوى الأوروبية وكانت النتيجة معاهدة كوتاهيا عام 1833، والتي اعترفت بشرعية محمد علي كوال على مصر والحجاز وكريت، ومنح إبراهيم باشا نفس الوضع في مناطق واسعة من الأراضي السورية. كما تم توسيع صلاحيات الباشا في تحصيل الضرائب.
وفي عام 1841 مُنح هو وعائلته الحق الوراثي في حكم مصر والسودان، لكن سلطته كانت لا تزال خاضعة للقيود، وظلت حقوق السلطان قائمة.
في أواخر أربعينيات القرن التاسع عشر، تقاعد محمد علي من منصبه بسبب ضعف صحته. وفي عام 1848، انتقل الحكم رسميًا إلى إبراهيم نجل محمد علي ، الذي توفي بعد ذلك بوقت قصير، وتوفي محمد علي نفسه في العام التالي.