في وقت سابق من هذا العام، استيقظت آي تشينغ في منتصف الليل على هتافات غاضبة خارج مسكنها في شمال الأرجنتين، وأطلت من النافذة لترى العمال الأرجنتينيين يحيطون بالمجمع السكني الذي تقطن فيه، ويغلقون المدخل بإطارات مشتعلة.
تقول آي، التي تعمل في شركة صينية تستخرج الليثيوم من المسطحات الملحية في جبال الأنديز من أجل استخدامه في البطاريات: “كان الأمر مخيفا لأن السماء أصبحت مضاءة بسبب النيران الكثيفة، نتيجة أعمال الشغب”.
إن الاحتجاج، الذي أشعل شرارته طرد عدد من الموظفين الأرجنتينيين، هو مجرد حالة واحدة من عدد متزايد من حالات الاحتكاك بين الشركات الصينية والمجتمعات المضيفة، حيث تعمل الصين على توسيع نطاقها عملها التعدين داخل تلك المجتمعات، بعدما أصبحت تهيمن على معالجة المعادن الحيوية المستخدمة في الاقتصاد الأخضر.
قبل عشر سنوات فقط، اشترت شركة صينية أول حصة للبلاد في مشروع يقع داخل “مثلث الليثيوم” الذي يضم الأرجنتين وبوليفيا وتشيلي، ويحتوي على معظم احتياطيات الليثيوم في العالم.
ولطالما كانت الصين رائدة في تكرير الليثيوم والكوبالت، حيث بلغت حصتها من العرض العالمي 72% و68% على التوالي في عام 2022، وفقًا لمركز أبحاث تشاتام هاوس – Chatham House.
وقد أدى دور الصين في هذا القطاع إلى جعل هذه العناصر أرخص وأكثر سهولة في الوصول إليها على مستوى العالم.
لكن الصين ليست وحدها التي ستحتاج إلى استخراج ومعالجة المعادن اللازمة للاقتصاد الأخضر، إذ تقول الأمم المتحدة إنه إذا تمكن العالم من أن الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية للغازات الدفيئة بحلول عام 2050، فيجب أن يزيد استخدام ومعالجة هذه المعادن ستة أضعاف بحلول عام 2040.
وفي الوقت نفسه، طورت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي استراتيجيات لتقليل اعتمادها على الإمدادات الصينية.
يقول مركز موارد الأعمال وحقوق الإنسان، وهو منظمة غير حكومية، إن مثل هذه المشاكل “ليست قاصرة على التعدين الصيني” لكنه نشر في العام الماضي تقريرًا يدرج أكثر من مائة ادعاء ضد الشركات الصينية المشاركة في استخراج المعادن المهمة، تتراوح بين انتهاكات حقوق المجتمعات المحلية إلى الأضرار التي تلحق بالنظم البيئية وظروف العمل غير الآمنة.
وتعود هذه الادعاءات إلى عامي 2021 و2022، وقد أحصت بي بي سي أكثر من 40 ادعاءً آخر تم تقديمها في عام 2023، وتحدثت عنها المنظمات غير الحكومية أو في وسائل الإعلام.
إلى جانب ذلك، تحدثنا إلى أشخاص من دولتين مختلفتين، على طرفي العالم، وسمعنا قصصهم.
في ضواحي لوبومباشي في أقصى جنوب جمهورية الكونغو الديمقراطية، يقود كريستوف كابويتا المعارضة لمنجم رواشي للكوبالت، المملوك لمجموعة جينتشوان منذ عام 2011.
ويقول: “مهما كانت درجة الحرارة، سواء كانت هناك أمطار أو رياح، علينا مغادرة منازلنا والذهاب إلى ملجأ بالقرب من المنجم”، ويضيف أن هذا ينطبق على الجميع، بما في ذلك المرضى والنساء الذين ولدوا للتو، لأنه لا يوجد مكان آخر آمن.
وفي عام 2017، قُتلت فتاة مراهقة، تُدعى كاتي كابازو، بسبب صخرة متطايرة وهي في طريقها إلى المنزل من المدرسة، بينما قيل إن صخورًا أخرى أحدثت ثقوبًا في جدران وأسطح المنازل المحلية.
وقالت إنه منذ ذلك الحين “قمنا بتحسين التكنولوجيا، والآن لدينا نوع من التفجير لا يؤدي إلى تطاير الصخور”.
ومع ذلك، تحدثت بي بي سي مع مدير المعالجة في الشركة، باتريك تشيساند، الذي بدا وكأنه يعطي صورة مختلفة، وقال: “إذا قمنا بالتعدين، فإننا نستخدم المتفجرات، يمكن أن تتسبب المتفجرات في تطاير الصخور، والتي يمكن أن تصل إلى التجمعات المحيطة القريبة جداً من المنجم… لذلك تعرضنا لعدة حوادث من هذا القبيل”.
فيما أوضحت كالاسا أنه بين عامي 2006 و2012 قامت الشركة بتعويض أكثر من 300 عائلة للانتقال بعيدًا عن المنجم.
وفي جزيرة أوبي النائية في إندونيسيا، تسبب منجم مملوك بشكل مشترك لشركة صينية تدعى: Lygend Resources and Technology، ومجموعة Harita Group الإندونيسية العملاقة للتعدين، إلى تجريف الغابات المحيطة في قرية كواسي بشكل سريع.
فيما توضح هيئة جاتام، وهي هيئة تراقب عمليات التعدين المحلية، أن القرويين تعرضوا لضغوط للانتقال وقبول التعويضات الحكومية، فيما رفضت عشرات العائلات الانتقال إلى مكان آخر، قائلة إن المعروض عليهم أقل من القيمة السوقية لمنازلهم. ونتيجة لذلك، يقول البعض إنهم تعرضوا للتهديد باتخاذ إجراءات قانونية بدعوى تعطيل مشروع ذي أهمية استراتيجية وطنية.
تقول إحدى المعلمات في قرية كواسي، واسمها نور حياتي إن “مياه النهر غير صالحة للشرب الآن، وهي ملوثة للغاية، والبحر، الذي عادة ما يكون صافياً وأزرق اللون، يتحوّل إلى اللون الأحمر عندما تهطل الأمطار”.
كما انتشر الجنود الإندونيسيون في الجزيرة من أجل حماية المنجم، وعندما زارت بي بي سي الجزيرة مؤخرًا، كان هناك تواجد عسكري متزايد بشكل ملحوظ، فيما تزعم هيئة جاتام أن الجنود يُستخدمون للترهيب، بل وحتى الاعتداء على الأشخاص الذين ينتقدون أضرار المنجم. تقول المعلمة نور إن مجتمعها يشعر أن الجيش موجود “لحماية مصالح المنجم، وليس من أجل رفاهية شعبه”.
يقول المتحدث باسم الجيش في جاكرتا إن مزاعم الترهيب “لا يمكن إثباتها”، وأن الجنود الذين يتواجدون من أجل ” حماية المنجم” لا ينخرطون في ” التفاعل المباشر مع السكان المحليين”.
وأضاف في بيان له أن عملية نقل القرويين لإفساح المجال أمام المنجم تمت بإشراف الشرطة “وبطريقة سلمية وسلسة”.
كما شارك أيضًا تقريرًا رسميًا خلص إلى أن مجموعة Harita “ممتثلة لالتزامات الإدارة والمراقبة البيئية”.
كما أخبرتنا شركة Harita نفسها بأنها “تلتزم بشكل صارم بالممارسات التجارية الأخلاقية والقوانين المحلية” وأنها “تعمل باستمرار لمعالجة أي آثار سلبية والتخفيف من آثارها”، وزعمت أنها لم تتسبب في إزالة الغابات على نطاق واسع، وأنها راقبت المصدر المحلي لمياه الشرب، وأكدت الاختبارات المستقلة أن المياه تلبي معايير الجودة الحكومية. وأضافت أنها لم تنفذ عمليات إخلاء قسري أو معاملات غير عادلة على الأراضي ولم ترهب أحداً.
قبل عام، بدأت هيئة تجارة التعدين الصينية، في إنشاء آلية تظلم، تهدف إلى حل الشكاوى المقدمة ضد مشاريع التعدين المملوكة للصين. تقول ليليا لي، المتحدثة باسم شركات العاملة في المجال، إن الشركات نفسها “تفتقر إلى القدرة الثقافية واللغوية” على التفاعل مع المجتمعات المحلية أو منظمات المجتمع المدني.
ومع ذلك، فإن هذه الآلية لا تزال غير قادرة على العمل بكامل طاقتها.
ومن ناحية أخرى، يبدو من المؤكد أن مشاركة الصين في عمليات التعدين الأجنبية سوف تتزايد. يقول أديتيا لولا، مدير برنامج آسيا في إمبر، وهو مركز أبحاث بيئي مقره المملكة المتحدة، إنها ليست مجرد “لعبة جيوسياسية” للسيطرة على سوق رئيسية، بل إنها منطقية أيضًا من منظور الأعمال، ويضيف: “تقوم الشركات الصينية بعمليات الاستحواذ، لأن الأمر كله بالنسبة لها يتعلق بالأرباح”.