كيف احتضنت سلطنة عُمان التنوع العقائدي عبر التاريخ؟

قبل أكثر من ألف عام وأربعة قرون، يُحكى أن رجلاً بعثه النبي محمد، نبي الإسلام، إلى أحد الأقوام، فشكا إلى النبي أنهم سبوه وضربوه، فقال له “لو أهل عُمان أتيت، ما سبّوك ولا ضربوك”.

إن جملة كهذه تعد ذات دلالة على الجذور المجتمعية المرحبة بالتنوع الثقافي والديني منذ زمن بعيد في ما يعرف اليوم بسَلطنة عُمان، التي تقع في الطرف الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية.

وتعرّف الدولة العُمانية نفسها اليوم بأنها دولة غالبيتها العُظمى من المسلمين، يتبع معظمهم المذهب الإباضي، ويوجد بها أيضا عمانيون من السنة والشيعة.

كما يضم المجتمع العماني “مواطنين ومقيمين من الهندوس والبوذيين والمسيحيين واليهود والبهائية والمورمون”، وذلك بحسب موقع وزارة الخارجية العُمانية.

عُمان قبل الإسلام

وعلى الرغم من هذا الغموض، فإنه لا ينفي أن عُمان عرفت تعدد الديانات منذ فجر تاريخها، الذي يُرجعه بعض المؤرخين إلى أربعة آلاف عام قبل الميلاد. ويسري على عُمان ما يسرى على بقية شبه الجزيرة العربية من ثقافات دينية، لاسيما في ضوء موقعها الجغرافي المميز الذي جعلها ملتقى تجارياً.

وأضاف ويلسون في كتابه الذي يؤرخ للخليج من العصور الأولى، أن “السومريين” أطلقوا على عُمان اسم “ماجان” وكانت ترتبط لديهم بالبحر والملاحة. وأنه “في الملاحم والأساطير السومرية، كان من آلهة مملكة ماجان (نندولا) ومعناها (ملك الأغنام والمواشي)” التي كانت تشتهر بها عُمان، بحسب ويلسون.

كما عرفت عُمان الديانة اليهودية، وإن كان حضورها يبدو محدوداً أو غير مؤثر في المجتمع العُماني، بالنظر إلى عدم وجود تفاصيل عن سيرتهم في التاريخ القديم.

وعرفت عُمان المسيحية، وكان ذلك منذ أواخر القرن الميلادي الأول، بحسب عالم الآثار الأمريكي ويندل فيليب، الذي كان “المستشار الاقتصادي وممثل سُلطان عُمان وأقطارها” في عهد السلطان سعيد بن تيمور البوسعيدي .

ففي كتابه “عُمان تاريخ له جذور”، قال فيليب إن رجل الدين المسيحي توماس ديديموس قام بمهمات تبشيرية في جنوب شبه الجزيرة العربية عام 50 ميلادياً.

وفي عام 356م في عهد الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الثاني، أرسِلت بعثة مسيحية إلى جنوب شبه الجزيرة العربية، قامت ببناء ثلاث كنائس في المنطقة، إحداها في عُمان، يُعتقد أنها في صحار الواقعة في شمال البلاد.

عُمان والإسلام

في كتاب “تحفة الأعيان في سيرة أهل عُمان”، نقل المؤرخ العُماني نور الدين السالمي ما يقال عن أن العرب دخلوا عُمان على يد مالك بن فهم بن غانم الأزْديّ، وأخذوها من يد الفرس قبل ظهور الإسلام بألفي عام، بعد ما يُعرف بـ”سيل العَرِم” أو المعروف تاريخياً بانهيار سد مأرب في اليمن.

وتعد قبيلة “الأزد” التي ينتمي إليها مالك بن فهم، الموجة الثانية من العرب الذين سكنوا عُمان عبر تاريخها، بحسب ويلسون، الذي قال إن القحطانيين اليمنيين أول من استوطنوها، وذلك منذ سبعة أو ثمانية قرون قبل الميلاد.

وعلى الرغم من قضاء العرب على حكم الفرس في عُمان، إلا أن العُمانيين تعايشوا مع من بقي من الفرس، حتى دخول الإسلام.

وروت الكتب التاريخية الإسلامية أن دخول عُمان في الإسلام جاء في السنة الثامنة للهجرة النبوية، بعد رسالة من النبي محمد، إلى “جيفر” و”عُبد” ملكيْ عُمان اللذين ينتميان إلى قبيلة الجُلندي الأزدية اللذين يُنسب إليهما ملوك عُمان في الجاهلية قبل الإسلام.

ويقول الدكتور زكريا المحرمي الباحث العُماني في الفكر الإسلامي إنه على ما يبدو من الإشارات التاريخية أن “دين أهل عمان كان في غالبه هو ذات دين العرب في الجزيرة وهو الوثنية”.

وأوضح لبي بي سي أن “هناك دلائل قوية على انتشار المسيحية النسطورية في عُمان”، والنسطوريون هم الذين لا يؤمنون باتحاد الطبيعتين البشرية والإلهية في السيد المسيح، مضيفاً “لعل النسطورية كانت ديانة النخبة ومنهم عبد وجيفر ملكيْ عمان؛ لأنهما أسلما طوعا بعد مشاورة زعماء القبائل، وهذا يكشف فكراً قريباً من التوحيد الإسلامي”.

وقد دفع موقف الفُرس “جيفر” إلى تخييرهم بين الإسلام أو الرحيل عن عُمان، فرفض الفرس الخيارين، فقاتلهم الأزد إلى أن طلبوا الصُلح، فصالحوهم شريطة خروجهم من عُمان وعودتهم إلى “أرض فارس” التي هي إيران اليوم، وقد كان.

ومن هنا يُمكن القول إن أهل عُمان دخلوا جميعاً الإسلام بدون حرب أو “فتح إسلامي” استجابة لدعوة ملكهم. وبعد دخول الإسلام، لم يبق في عُمان إلا العرب المسلمون كأغلبية.

ومع ذلك، يبدو أنه بقي في عُمان بعض اليهود، وهو ما يتضح مما رواه السالمي في كتابه عن حكاية بين يهوديّ “من يهود عُمان” وعمرو بن العاص، في عهد النبي محمد.

يقول ويندل فيليب إن “للمسلمين الأوائل في عُمان دوراً في الانقسام الأول في الإسلام، وعمق من هذا الانقسام الاختلاف في الأمور العقيدية بصورة استحال معها تصالحهم مع غيرهم من المسلمين”.

وهناك روايات متضاربة عما حدث في عُمان بعد عهد النبوة، ففي كتاب “فتوح البلدان”، يقول المؤرخ العباسي أحمد البلاذري إنه بعد وفاة النبي محمد “ارتدت الأزد وعليها لَقيط بْن مَالِك ذو التاج”، وقيل إنه ادعى النبوة، فأرسل إليه أبو بكر الصديق، الخليفة الأول بعد النبي محمد، جيشاً لمحاربته.

ويقول ابن كثير الدمشقي في كتابه “البداية والنهاية” إن لقيط “تابعه الجَهَلة من أهل عُمان”، واستطاع أن ينقلب على “جيفر” وأخيه، فبعث “جيفر” إلى أبي بكر يطلب النجدة، وكانت معارك كبيرة أسفرت عن انتصار جيش أبي بكر بعد أن قتلوا من المرتدين 10 آلاف مقاتل.

ووردت روايات أخرى في الكتاب ذاته، تذكر أن أهل عُمان لم يمنعوا الزكاة وإنما كانت هناك مظلمة لسيدة عُمانية في مكان يدعى “دَبَا” بسبب جمع الزكاة، فاستغاثت بقومها فتحول الأمر إلى معركة وصلت إلى حد سبي بعض العُمانيين على يد المُكلفين بجمع الزكاة، فلما وصل الأمر إلى عمر بن الخطاب ردهم إلى أهلهم.

ويعلق الدكتور الزدجالي، أستاذ الفلسفة، على تلك الاضطرابات قائلاً إنها “لا تعني أن العمانيين في كل حواضرهم ارتدوا، وإنما ارتبطت الردة الدينية دائما ببعض القيم الاقتصادية واستهواء السلطة”.

وأوضح الزدجالي أن عمان كانت “مرتعاً للصراعات السياسية والدينية”، مشيراً إلى ما رواه ابن جرير الطبري، المؤرخ في القرن الثالث الهجري، عما حدث في عهد الخلافة العباسية، من حرب خاضها القائد العسكري العباسي خازم بن خزيمة ضد الخوارج.

ويقول الزدجالي إن “هذا الصراع يكشف عن تداخل النزعات الدينية القديمة في عمان بعد دخول الإسلام”.

نشأة الإباضية في عُمان

وخرجت فئة ممن كانوا في جيش الإمام علي ضد هذا التحكيم، عُرفوا بـ”الخوارج”، داعين علياً بن أبي طالب إلى الاستمرار في محاربة معاوية بن أبي سُفيان، بدلاً من النزول على “التحكيم” بين الفريقين.

ويوضح ويندل فيليب في كتابه أن “الخوارج من مسلمي عُمان أنكروا اقتصار الحق بالخلافة على قبيلة أو عائلة بعينها، معتبرين مآلها إلى انتخاب الناس”، ما دفع الخليفة علي بن أبي طالب لمحاربتهم هم وغيرهم من الخوارج في معركة النهروان.

ونقل فيليب ما يُقال عن أن اثنين من الخوارج هربوا إلى عُمان، وبدأوا في الدعوة إلى مذهبهم هناك، وهو ما أدى إلى ظهور طائفة الإباضية، مرجحاً أن يكون هذا الاسم معروفاً في عُمان قبل انتشار تلك الطائفة.

ويشير فيليب إلى أبي الشعثاء جابر بن زيد الأزدي، وهو من جيل “التابعين”، اللقب الذي يُطلق على من أسلم على يد أحد صحابة النبي محمد.

وينظر الإباضيون إلى جابر بن زيد على أنه مؤسس فقههم ومذهبهم، على الرغم من أن فيليب صرح بأنه “غير متيقن” من كونه أول من أدخل عقيدة الخوارج إلى عُمان.

 

المصدر: BBC
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments