كان لتعليم الفئران قيادة سيارة صغيرة داخل أحد المعامل أثراً بالغ الأهمية، إذ ساعد علماء على اكتشاف الكثير عن فوائد توقع البهجة التي نشعر بهأ عندما نفعل الأشياء التي نحبها.
صنعنا أول سيارة للقوارض من علبة حبوب بلاستيكية. وبعد التجربة والخطأ، اكتشفت أنا وزملائي أن الفئران يمكنها أن تتعلم القيادة إلى الأمام من خلال الإمساك بسلك صغير يقوم بعمل دواسة الوقود. وبعد فترة وجيزة، كانت هذه الحيوانات قادرة على التوجيه بدقة مذهلة للوصول إلى حلوى فروت لوبس.
وكما توقعنا، تعلمت الفئران – التي عاشت في بيئات غنية بالألعاب والمساحات والرفقاء ـ القيادة بسرعة أكبر من تلك التي عاشت في أقفاص عادية. وعززت هذه النتائج فكرة مفادها أن البيئات المعقدة تعزز المرونة العصبية: قدرة الدماغ على التغير على مدار العمر استجابة لمتطلبات البيئة المحيطة.
وبعد نشر بحثنا، حظيت قصة قيادة الفئران للسيارات باهتمام كبير من قبل وسائل الإعلام. ويستمر المشروع في معملي باستخدام مركبات جديدة ومحسنة تقودها الفئران، أو ما أسميناه “ROVs”، والتي صممها أستاذ الروبوت جون ماكمينوس وطلابه. هذه المركبات الكهربائية المطورة التي تقودها الفئران – والتي زودت بأسلاك مقاومة للفئران وإطارات غير قابلة للتلف ورافعات قيادة مريحة – يمكن أن نصفها بنسخة القوارض من شاحنة تيسلا سايبرترك.
في البداية، تعلمت هذه الحيوانات حركات أساسية، مثل الصعود إلى السيارة والضغط على الروافع. ولكن مع الممارسة، تطورت هذه الحركات البسيطة إلى سلوك أكثر تعقيداً، مثل توجيه السيارة إلى وجهة محددة.
لقد علمتني الفئران شيئاً عميقاً أيضاً ذات صباح أثناء جائحة كوفيد-19.
وبدأت أتسائل؛ هل كانت الفئران تفعل هذا دائماً بينما لم أكن ألاحظ ذلك؟ هل كانت متلهفة لتناول الفاكهة أم كانت تترقب الإثارة نفسها؟ في كل الأحوال، بدا أنها كانت تشعر بشيء إيجابي ــ ربما الإثارة والترقب.
ويرتبط السلوك المتصل بالتجارب الإيجابية بالبهجة لدى البشر، ولكن ماذا عن الفئران؟ هل رأيت شيئًا يشبه البهجة لدى الفئران؟ ربما كان الأمر كذلك، نظراً لأن أبحاث علم الأعصاب تركز على أن البهجة والعواطف الإيجابية تتمتع بأهمية كبيرة بالنسبة لصحة البشر والحيوانات.
بناء على ذلك، تحولت أنا وفريقي من التركيز على كيفية تأثير الإجهاد المزمن على الدماغ إلى كيفية تأثير الأحداث الإيجابية – والتوقع لهذه الأحداث – على الوظائف العصبية.
وبالتعاون مع زميلتي في الدكتوراه كيتي هارتفيجسن، صممت بروتوكولاً جديداً يستخدم فترات الانتظار لزيادة الترقب قبل حدث إيجابي. وباستخدام التكيف وفقا لنظريات بافلوف، كان على الفئران الانتظار لحوالي 15 دقيقة بعد وضع قطعة “ليغو” في قفصها قبل أن تحصل على مكافآت الحلوى. وكان عليها أيضاً الانتظار في قفص النقل لبضع دقائق قبل دخول حديقة الفئران، وهي منطقة اللعب الخاصة بها. كما أضفنا تحديات أخرى، مثل جعلها تقشر بذور دوار الشمس قبل تناولها.
وتشير النتائج الأولية إلى أن الفئران التي طُلِب منها الانتظار للحصول على مكافأتها أظهرت علامات التحول من أسلوب معرفي متشائم إلى أسلوب متفائل في اختبار صُمم لقياس تفاؤل القوارض. كان أداؤها أفضل في المهام المعرفية وكانت أكثر جرأة في استراتيجيات حل المشكلات. كما ربطنا هذا البرنامج بالاهتمام الأوسع الذي يبديه معملنا “بالعقاقير السلوكية”، وهو المصطلح الذي ابتكرته للإشارة إلى أن التجارب يمكن أن تغير كيمياء المخ على نحو مماثل للعقاقير الدوائية.
ويقدم هذا البحث المزيد من الدعم لكيفية تعزيز ترقب السلوك. وأظهرت الأبحاث السابقة التي أجريت على فئران التجارب أن هذه القوارض التي تضغط على قضيب الكوكايين ــ وهو منبه يزيد من تنشيط الدوبامين ــ تشعر بالفعل بزيادة في الدوبامين عندما تتوقع جرعة من الكوكايين.
لم أشاهد مثل هذا من قبل طيلة عقود من العمل مع الفئران. وعند مراجعة لقطات الفيديو، وجدنا أن الفئران المدربة على توقع التجارب الإيجابية كانت أكثر ميلاً إلى رفع ذيولها عالياً مقارنة بالفئران غير المدربة. ولكن ماذا يعني هذا بالضبط؟
وبدافع الفضول، قمت بنشر صورة لهذا السلوك على وسائل التواصل الاجتماعي. وحدد زملاء لي من علماء الأعصاب هذا السلوك باعتباره شكلاً أكثر لطفاً مما يسمى “بذيل ستراوب”، والذي يُرى عادةً في الفئران التي تعطى المورفين الأفيوني. ويرتبط هذا الانحناء على شكل حرف “S” أيضاً بالدوبامين. فعندما يتم منع الدوبامين، يعود ذيل ستراوب إلى الشكل الطبيعي لذيل الفأر.
ويبدو أن الشكل الطبيعي للمواد الأفيونية والدوبامين ـ وهي العناصر الرئيسية في مسارات الدماغ التي تقلل الألم وتعزز المكافأة ـ تعتبر من أهم أسباب تطور الذيول المرتفعة في برنامج تدريبنا على الترقب. وتساعدنا مراقبة وضع ذيل الفأر على التوصل إلى فهم أوضح للتعبير الانفعالي لدى الفئران، ويذكرنا بأن الانفعالات قد يكون التعبير عنها بجميع أجزاء الجسم.
ومن المثير للدهشة أن اثنين من الفئران الثلاثة اختارت المسار الأقل كفاءة وهو الابتعاد عن المكافأة والركض إلى السيارة للوصول إلى وجهتهما حيث نضع حلوى المكافآت. وتشير هذه الاستجابة إلى أن الفئران تستمتع بالرحلة والوجهة التي تنتهي بها إلى المكافآت.
فهناك عالم الأعصاب جاك بانكسيب المعروف بتجربة دغدغة الفئران، لإظهار قدرتها على الشعور بالفرح.
وأظهرت الأبحاث أيضاً أن البيئات المحببة للفئران التي لا تحتاج إلى جهد كبير للعيش فيها تساعد على إعادة ضبط دوائر المكافأة في أدمغتها، مثل النواة المتكئة. فعندما تعيش هذه الحيوانات في بيئاتها المفضلة، تتوسع المنطقة التي تستجيب للتجارب ذات الصلة بالشهية (السلوك الذي يحفزه التعزيز الإيجابي) داخل النواة المتكئة. في المقابل، عندما تعيش الفئران في محيط مرهق، تتوسع المنطقة المولدة للخوف داخل هذه النواة. الأمر أشبه بآلة بيانو يمكن للبيئة ضبطها.
وذهب عالم الأعصاب كيرت ريختر أن الفئران تشعر بالأمل. ففي دراسة لن يُسمح بإجرائها اليوم، سبحت الفئران في أسطوانات زجاجية مملوءة بالماء، وفي النهاية غرقت من الإرهاق إذا لم ينقذها أحد. وكانت فئران التجارب التي يتعامل معها البشر في كثير من الأحيان تسبح لساعات أو أيام. أما الفئران البرية فكانت تستسلم بعد بضع دقائق فقط. ولكن حال إنقاذ الفئران البرية لفترة قصيرة، اكتشف الباحثون أنها تبقى على قيد الحياة لفترة أطول، أحياناً لأيام. ويبدو أن الإنقاذ يعطى الفئران الأمل ويحفزها على الاستمرار في السباحة.
وفتح مشروع الفئران التي تقود السيارات أبواباً جديدة وغير متوقعة في معملي لأبحاث علم الأعصاب السلوكي. ففي حين أنه من الضروري دراسة المشاعر السلبية مثل الخوف والتوتر ، اكتشفت أن التجارب الإيجابية تسهم إلى حدٍ كبير ٍ في تشكيل الدماغ.
وبينما تظل الحيوانات ــ من بينها الإنسان ــ في معاناة بسبب عدم القدرة على التنبؤ بالحياة، يساعد توقع الخبرات الإيجابية على تحفيز المثابرة لمواصلة البحث عن مكافآت الحياة. وفي عالم من الإشباع الفوري، تقدم هذه الفئران رؤى ثاقبة حول المبادئ العصبية التي توجه السلوك اليومي. وبدلاً من الضغط على الأزرار للحصول على مكافآت فورية، فإنها تذكرنا بأن التخطيط والتوقع والاستمتاع بالرحلة قد يكون مفتاحاً لصحة الدماغ. وهذا درس علمتني إياه الفئران المعملية جيداً.