“عفن الروح”… الوجه القبيح للفساد في إطار فلسفي

فرقة “تياترو” استهلت عروض “الكويت المسرحي 23”

مفرح حجاب

استهلت فرقة “تياترو” عروض المسابقة الرسمية لمهرجان “الكويت المسرحي 23” بمسرحية “عفن الروح”، على مسرح الدسمة وسط حضور كبير من ضيوف المهرجان وحشد من الفنانين والجمهور، تقدمه رئيس المهرجان الأمين العام المساعد لقطاع الفنون بالمجلس الوطني، مساعد الزامل، وتشهد المسرحية عودة المخرج هاني النصار، بعد غياب.
منذ المشهد الأول تشعر وكأنك تشم رائحة الجثث في المسرح، حيث استعرض المخرج عضلاته في المشهد الاستهلالي للعرض الدراماتيكي بالديكور المتحرك والذي استخدمه كمقبرة أو مغارة أو قصر، أو مكان للعمل، بل استطاع ان يوظف مدلولات النص وانماط الشخوص المتواترة على الديكور، ما جعلنا أمام حالة إنسانية تدفق منها الخوف نتيجة توظيف الموسيقى والإضاءة وأدوات المسرح، لكن صدمات العرض جعلتنا نتأكد ان الفساد هو من يصيب الروح بالعفن، وان الجثث انما تعبر عن الفساد الذي ينخر في جسد الحياة نتيجة ظلم بعض الأشخاص في ظل المصالح الضيقة لتصبح أرواحهم عفنة مع تخليهم عن إنسانيتهم.
رشاقة العرض المسرحي وانضباطه جعلتاه ينتصر على حالة السرد الكثيفة من خلال الممثلين الخمسة، الذين شاركوا في مباراة الأداء على خشبة المسرح مستخدمين قطعة ضخمة من الديكور المتحرك، التي لم تجعلنا نشعر أبدا بفراغ على المسرح نتيجة وجود ايقاع محكم في العرض، ومن خلال ما تضمنته المشاهد من تداخلات في الأحداث وتبادل للأدوار، ذهب النص المسرحي إلى أعماق الإنسان لينتزع منه البوح بالحقيقة المرة، تلك التي جاءت في إطار فلسفي، كي يكشف ما يسببه الفساد من تدمير للنفوس والأخلاق، وضياع الأعمار والحقوق، مع ما تخللته المشاهد من صراعات نفسية، كما يكشف التسلط الذي يسيطر على بعض المسؤولين، وعدم مراعاتهم مصالح الناس، لذا وجدوا في الفساد والرشوة ملاذا لجني المكاسب، مستخدمين مختلف الأساليب والحيل من أجل تحقيق ذلك.
اتسمت حركة الممثلين على خشبة المسرح بتعبيرات واضحة سواء على الوجوه أو الأجساد أو الأطراف وتناغمت مع النص، من خلال الإخراج المتقن الذي يشبه المعزوفة في كل تفاصيله وربط بشكل جيد بين الموسيقى والإضاءة وكتلة الديكور الذي ابدع في تصميمها الدكتور فهد المذن، حيث أظهرت “السينوغرافيا” تدفقا حسيا، عبر ما احتوته من مدلولات إنسانية، واستخدام حقيقي وفاعل للإضاءة والأزياء والأكسسوارات، وان تجسدت في الديكور تفاصيل الفكرة، التي حققت رؤية النص والإخراج معا من خلال هذا المجسم المتحرك.
تعالج المسرحية مسألة حيوية تتعلق بالفسـاد والصراع على الكراسي أو السلطة، من خلال خمس شخصيات تتغير وتتباين أدوارهم حسب الأحداث، فقد تجدهم يبتعدون عـن الحياد بشكل دراماتيكـي بناء علـى المواقـف الدرامـية التي تتضمنها مشاهد المسرحية، وفق ما يتعارض أو يتفق مع شخوص العرض، بالإضافة إلى الثنائيات الفلسفية، التي تعد موضوعا جوهريا لكثير من أطروحات المسرحية كثنائية الجمال والقبح وثنائية الموت والحياة.
خلاصة القول، تسرد المسرحية مشكلة موظـف يجـد نفسـه مرغما علـى الانتقـال مـن وظيفته إلى أخرى لا تتناسب مع طموحاته ولا مؤهلاته، كرجل أمن في مستشــفى مهجور يُستخدم لحراسة وحفظ الجثث للدفن أو الدراسة أو الاشتباه، ويكتشف الموظف أن مديره في المستشفى دبر كل المصائب التي ألمت به، وفي المواجهة الأخيرة يختفي الموظف، ليؤكد ان الإنسان لا يستطيع أحيانا مواجهة واقع الفساد، حتى الشخصيات المأزومة في العرض أكدت بعد رحيلها من الحياة ان الفساد لا يجعل الجسد يتعفن فحسب، وانما قد نعيش احيانا في الواقع مع أرواح فاسدة تفوح منها رائحة العفن.
مسرحية “عفن الروح” تأليف مالك القلاف، إخراج هاني النصار، بطولة آمنة العبدالله، رياض السليمي، يوسف الحربي، يوسف المطر، محمد المنصوري، مساعد مخرج جابر فهاد، مخرج مساعد د.فاطمة العطار، إشراف عام محمد الكندري، تدقيق لغوي لميس الزامل، إشراف موسيقي هاني الهزاع، سينوغرافيا د.فهد المذن، موسيقى ومؤثرات صوتية حمد العروج، وماكياج تهاني كمال.

 

المصدر: السياسة
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
يسعدنا مشاركتكم في التعليقاتx
()
x