فضفضة الضيف تجر قدمه إلى مناطق ربما تكون محرمة
فالح العنزي
كل شيء كنت أتوقعه من المخرج محمد دحام الشمري، إلا خوضه تجربة التقديم التلفزيوني وان كان خريج المعهد العالي للفنون المسرحية، عرف دحام بشخصيته الرزينة كمخرج وقائد لكل عمل يكلف به ويتميز بقدرته الفائقة على السيطرة في موقع التصوير، وهذه الانضباطية لها ايجابيات كثيرة منها ان التصوير يسير بسلاسة مع الانجاز في وقت مناسب، وأخيراً اتساع رقعة شبكة محبة المخرج في نفوس المشتغلين معه.
في بودكاست “صندوق تفاح مع دحام”، الذي يعرض على منصة “شاشا”، كانت التجربة غير، وكذلك دحام غير، فهو على النقيض تماما من شخصيته كمخرج قائد، فقد بدا في أولى حلقات البرنامج مع الفنانة شجون، حنونا مسالما مستمعا جيدا مشاركا لضيفته بعض ذكرياتها واعتقد ان النقطة الأخيرة هي رهان دحام، في كافة حلقاته، فـ”العلاقة الشخصية ومعرفة بواطن الضيف وتفاصيل مهمة من حياته” جعلت دحام، ينجح بامتياز في أولى تجاربه البرامجية ومن دون تكلف أو تصنع فهو لم يأت لمقارعة المذيعين في مضمارهم.
في مقدمة البرنامج أو “التتر”، يوضح دحام، سبب اختياره لهذا الاسم الغريب وهي معلومة ربما يجهلها الكثيرون بوجود علاقة متينة وقصة تاريخية بأبعادها عن صندوق التفاح، الذي تحول من صندوق لتوزيع التفاح على المشتغلين في موقع التصوير إلى صندوق يحمل معدات التصوير وهكذا ظل الصندوق من الركائز الرئيسية في مواقع التصوير وهي معلومات ربما عرفها المشاهد للمرة الأولى.
هرولة المقدم
بلا شك ان اختيار اسم البرنامج ساعد كثيرا لمن يعرف قصة صندوق التفاح، عن وجود دلالات مشتركة وأن هرولة مقدم البرنامج لن تكون بعيدة عن ملعبه ومضماره، بل سيظل يحوم بشكل دائري حول ضحيته لاقتناص ما يراه مناسبا من فرص اقتنصها فعليا على مدار أكثر من ساعة ونصف من عمر البرنامج.
نعود إلى البرنامج وأعتقد بأن بساطة الستديو، ووضع كرسيين متقابلين اسوة بكافة برامج “البودكاست” لعبت دورا في اظهار بساطة دحام، وأنه لا يبحث عن بهرجة المكان انما الحصيلة التي سيخرج بها من ضيفته، كذلك لعبت ألوان الستديو سيكولوجيا في نفس شجون، خصوصا الاضاءة الليلية الخافتة التي تعمل على سحب أي طاقة سلبية واستبدالها بالاسترخاء، ولها دلالاتها في جعل الضيف يشعر بالراحة وجر قدمه طواعية نحو المناطق التي يريدها المقدم، وفعلا نجح في لفت انتباه ضيفته شجون، التي كانت مرتاحة “ع الآخر” وهي تفضفض في الكثير من الموضوعات مثل طفولتها وعلاقتها مع والديها واكتشافها بأنه تم احتضانها من دار الأيتام، وهي تعتبر سابقا خطوط حمراء ابتعدت شجون، عن الخوض في غمارها مكتفية بالحديث عنها يوما ما وانتهى الكلام، لكن ما وجدته مع دحام، من أبوة منحها حيزا كبيرا لتعيد التصريح لكن هذه المرة بقوة ومن دون بكاء وانكسار، وجعلها تتحكم بقيادة سفينته لكنه يملك التحكم بالمقود، هذه التركة من الصداقة والذكريات هي من ستكون الرهان الحقيقي لدى دحام، مع ضيوفه في القادم من الأيام، لأن بودكاست “صندوق تفاح” لا يعتمد على اعداد مكتوب في ورقة أو موجود في ذاكرة المقدم بل هو سيناريو ذكي في استقطاب الضيف طواعية من دون “أكشن مصطنع” إلى المناطق التي يريدها دحام، وربما بعضها مناطق محرمة حبلى بالألغام، لكن حرص دحام، على جر شجون، وغيرها نحو هذه المنطقة وخروجهم سالمين من دون الاصابة بخدش، وهذا الديدن سيجعل من تجربة دحام، درسا جديدا في عالم التقديم التلفزيوني، الذي بات شائعا في السنوات الاخيرة، والذي فقد متعة الترفيه وأصبحت استضافة كل مشهور محطة يترقبها كثر في “السوشيال ميديا”، ينتظرون جملة ربما ترد على لسان الضيف لاستغلالها واستثمارها طمعا في “الترند”.
في بودكاست دحام، لم تكن هناك مواجهات مباشرة لكن اعتقد أن طبيعة شخصية شجون، اشبه ما تكون بالطين، لذا بإمكان مقدم البرنامج فرض السيناريو الناعم، الذي سارت عليه الحلقة، وباعتقادي أن حلقات الكاتب فهد العليوة وفوز الشطي ستشهد تصريحات نارية وسيكسب دحام الجولة ثانية.
“دنيا القوي”
وبالعودة إلى استضافة شجون، التي بدأت حديثها منذ طفولتها وأول وقوف لها على خشبة المسرح كان أمام دحام في مسرحية “الصياد الصغير” ترافقها والدتها حتى بلغت سن السادسة عشر، هنا بدت الأم تدريجيا تترك مساحة أكبر لابنتها، التي شقت طريقها باقتدار، شجون تحدثت عن اسمها ووقعه عليها وكمية التفاصيل التي يحملها من أشجان وأفراح وأتراح، كما تطرقت إلى تعرضها للشتم والانتقادات اللاذعة بعد ظهورها في ادوار جريئة بمسلسل “دنيا القوي”، تقول: ردود الفعل السلبية تجاه الشخصية كانت موجعة ومؤلمة ومحبطة، كان الجمهور يستوقفني في الاماكن العامة للتعبير عن سخطهم من الشخصية، هذا الانتقاد المؤلم لم أكن اعرف بأنه سر نجاح، لكني اكتشفت ذلك بعد تجسيدي لشخصية الفتاة المسترجلة في مسلسل “عديل الروح”، وكيف لامست هذه الشخصية خطوط حساسة لأسر كانت تعاني من وجود فتاة مسترجلة في المنزل ولا يعرفون كيفية التعامل معها، حيث كانت هذه الظاهرة منتشرة في المجتمع.
هنا تدخل دحام، مسترجعا ذكرياتهما في كواليس مسلسل “عرس الدم”، وكيف استعان بها لتجسيد احد “الكراكترات” السلبية لكنه اعتمد على جرأتها وقدرتها معا في بلوغ مساحات لا يقوى غيرها للوصول لها، وهنا نعود إلى اصل الحكاية بأن علاقات دحام وحميميته مع ضيوفه ستمنح تجربته النجاح بظهور مقبول وراحة نفسية للمشاهد، الذي لن يجد نفسه أمام معركة ” ترندية” جديدة.