بعد مغادرتها عمّان إلى القاهرة، ومنها إلى غزة عبر معبر رفح، كانت رحلة الطبيبة الأردنية أسيل الجلاد “مليئة بالتحديات والصعاب لتلبية نداء الإنسانية في القطاع ونصرة أهله”.
رغم المسافة القصيرة، استغرقت الرحلة ساعات طويلة.
الجلاد، وهي أخصائية النسائية والتوليد والعقم وجراحتها، وصفت الوضع الصحي في غزة بأنه “بؤرة للأوبئة والأمراض” في ظل “التلوث البيئي وتكدس مئات الأشخاص في أماكن مغلقة دون أدنى الظروف الصحية المناسبة”.
وقالت لبي بي سي عربي: “الوضع العام سيء من جميع نواحي الحياة، سواء الوضع الصحي والنفسي والبنية التحتية وأغلب المباني مدمرة، والكهرباء مقطوعة وفي الليل تكون العتمة حالكة ولا يوجد أي طريقة للتخلص من النفايات ورائحتها الكريهة”.
“أطفال خسروا قدرتهم على الحركة”
مع استمرار القصف الإسرائيلي ووقوع آلاف الضحايا، أضافت الجلاد أن “هناك إصابات تعاني من مضاعفات، والكثير من الأطفال الذي أُصيبوا خسروا قدرتهم على الحركة في بعض أطرافهم بسبب تضرر العضلة أو الأعصاب”.
ولفتت إلى تفاقم أوضاع المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة ومن مضاعفات كثيرة، مثل مرضى الضغط والكلى والسكري وغيره، نتيجة غياب الأدوية والعلاجات والتغذية السليمة.
“ولادات دون رعاية”
أوضحت الطبيبة الجلاد، أن غالبية العمليات التي أجرتها كانت الولادة بأشكالها وبعض الإجهاضات واستئصال الرحم، بسبب الإصابات والشظايا والإصابات بشكل مباشر في منطقة الحوض والجهاز التناسلي النسائي.
“هناك حالات ولادة كانت تضطر للمغادرة بعد ساعتين فقط من الولادة لأن المنشآت الصحية ليس لديها القدرة على احتوائهنّ بعد الولادة لضرورة إدخال حالات أخرى”، بحسب الجلاد.
مع استمرار الحرب تزداد المعاناة مع غياب مصادر الغذاء وسوء التغذية في ظل المياه الملوثة التي جلبت عدة أمراض كالتهابات معوية وغيرها، فالحوامل يعانين من سوء التغذية وفقر الدم وتسمم الحمل وعدة مضاعفات للحمل وما بعد الولادة.
“فرحة بين المعاناة”
وقالت الجلاد: “كمية الصبر والصمود والإرادة عند أهل غزة ونسائهم خاصة ولّدت دافعا لي لمساعدتهم، فرغم المعاناة كان لديهن القدرة على إيجاد الفرحة بين المعاناة، عند قدوم المولود الجديد ورغم عدم تأكدهن من توفير الأساسيات لهذا المولود أو لأطفالهن الذين ينتظرونهم في الخيمة، بل وكانوا يحاولن تقديم أي نوع من الحلويات المتوفرة بسبب فرحتهن رغم ضعف الإمكانيات”.
وتابعت: “منهن من فقدن أزواجهن وإخوتهن الذكور واستطعن أن يتولين إدارة حياة عائلاتهم رغم الجوع والتهجير ومشاعر الفقد والحزن، لقد أدين أدوراهن كاملة كنساء وكزوجات وكأمهات ومناضلات جمعيهن من مختلف الأعمار والفئات”.
من جهته، أكّد الطبيب أسامة حامد وهو جراح عام، عدم وجود أي مظاهر مسلحة داخل المستشفيات أو ساحاتها على الإطلاق بل كان فقط مرضى وأطباء.
وقال الجيش الإسرائيلي، في وقت سابق، إن مسلحين من حركة حماس يتحصنون في بعض المستشفيات في غزة، وهو ما تنفيه الحركة.
وحول دخوله إلى غزة، قال حامد (44 عاما): “دخلنا غزة من القاهرة عن طريق معبر رفح في رحلة برية استغرقت أكثر من 12 ساعة بسبب كثرة النقاط الأمنية على الطريق، إجراءات الدخول تبدأ منذ عقد النية وإصدار الموافقات الأمنية اللازمة من جميع الأطراف المعنية، إجراءات الدخول الفعلية تكمن في تفتيش على الجانب المصري وختم الجواز كأي إجراءات سفر أخرى”.
ولفت إلى إجراء عمليات جراحية لمصابين جراء الحرب، أصيبوا بشظايا صواريخ متفجرة وقصف في محيط المناطق أو إطلاق عيارات نارية من قناصة إسرائيلية، مبيناً أن أعمار المصابين تراوحت بين ثلاثة أعوام و75 عاما أغلبهم من الأطفال والنساء.
“القصف مستمر ولا يتوقف في أي لحظة والقنابل العشوائية تهدد الجميع”، وفق حامد.
حامد وصف تدمير القطاع الصحي بالـ”ممنهج”، حيث لم يتبق إلا عدد قليل من المستشفيات العاملة التي لا تكفي للتعامل مع الإصابات والحالات، كما يجري استهداف واعتقال الكوادر الطبية.
وبحزن شديد وغصة، أشار حامد إلى صعوبة التعامل مع إصابات الأطفال والتي “أثّرت به بشكل كبير، بالإضافة إلى عدم القدرة على التعامل مع بعض الإصابات بسبب نقص الإمدادات الطبية مما يجعلهم عرضة لمواجهة الموت المحتوم، مع الأعداد الكبيرة التي تراجع المستشفيات”.
“عمليات مؤجلة منذ بداية الحرب”
ويروي الطبيب طارق التميمي، استشاري جراحة عظام ومفاصل، تفاصيل مكوثه في غزة قائلا: “هناك عمليات كسور معقدة مؤجلة منذ أشهر لعدم توفر المستلزمات الطبية، سارعنا بإجرائها نظرا لأنها عمليات جراحية كبرى ولحماية المصابين من مضاعفات قد تؤدي لإعاقات أو بتر لأن بعضها لم يعالج منذ بداية الحرب”.
وأضاف التميمي الذي تطوع بالمستشفى الأوروبي في خان يونس جنوبي قطاع غزة: “نسبة الوفيات بين الأطفال عالية، سواء بسبب الإصابة الأولى أو لعدم توفر الإمكانيات اللازمة لعلاجهم، والالتهابات منتشرة بين المصابين، وبعض مرضى الحروق والسرطان والأطراف الصناعية وغيرها ينتظرون الموت لعدم توفر أي علاجات لهم”.
“مجرد دخولنا على المصابين والمرضى والأطباء ارتفعت معنوياتهم لعلمهم أننا سنساعد بإجراء مئات العمليات ومحاولة إنقاذهم، لما نحمل من أدوية ومضادات جروح وبعض المعدات غير موجودة في المستشفى”، وفق التميمي.
يشير التميمي إلى ذهوله من وجود أعداد عشرات الآلاف من الأشخاص في خيام بسيطة مصنوعة من الأقمشة والخرق داخل المستشفى وفي أروقته وكل مكان، فالمستشفى الأوروبي سعته 200 سرير ولكن فيه أكثر من 700 مريض.
وأوضح أن تنسيق الرحلة إلى غزة كان صعبا رغم التواصل مع منظمات دولية، وما كنا نتوقعه في غزة رأينا أضعافه، وما نراه على الشاشات يمثل جزءا بسيطا عن صعوبة الواقع بكثير.
ويضيف: “بمجرد دخول رفح نبدأ بسماع صوت الطائرة الزنانة المستمر على مدار الساعة، طوال طريقنا كنا نشاهد المباني المدمرة المسوية بالأرض، ومخيمات على جانبي الطريق، والخيام لا تقي من البرد أو الحر”.