الحج هو ممارسة دينية تتضمن رحلة إلى موقع مقدس لأداء طقوس دينية معينة. وقد كانت هذه الممارسة موجودة في مختلف الحضارات القديمة، حيث اعتقد الناس أن زيارة الأماكن المقدسة والقيام بالطقوس المرتبطة بها تجلب البركة والتطهير الروحي والتواصل مع الآلهة.
وفي مصر القديمة، كان الحج إلى أبيدوس (محافظة سوهاج حالياً) مرتبطاً بعبادة الإله أوزوريس، حيث كان يُعتقد أن زيارة المواقع المقدسة تؤمن الانتقال الآمن إلى الحياة الآخرة. كما شملت الطقوس المواكب الجنائزية وتقديم القرابين. و
كانت المدينة نقطة محورية للحجاج المصريين الذين كانوا يتطلعون إلى أن يُدفنوا بالقرب من مقبرة أوزوريس في أبيدوس. وحتى أولئك الذين لم يتمكنوا من تحمل تكاليف الدفن في أبيدوس، كانوا يضعون لوحات مكتوباً عليها أسماؤهم وألقابهم وصلاة للإله.
وكانت رحلة الحج هذه بمثابة رحلة روحية مقدسة، مليئة بالطقوس الدينية والرموز المعبرة. وكان الحجاج يأتون من جميع أنحاء مصر، ويتوجهون إلى أبيدوس سيراً على الأقدام أو بواسطة القوارب على طول نهر النيل. وكان للموسم الرئيسي للحج ميعاد ثابت ومحدد وهو يوم الثامن من الشهر الأول من فصل الفيضان حتى يوم السادس والعشرين من نفس الشهر.
وكان الحجاج يشاركون في مواكب جنائزية رمزية تعيد تمثيل وفاة وقيامة أوزوريس. وكانت هذه المواكب تبدأ من معبد الكرنك في طيبة وتنتهي في أبيدوس. وعند وصولهم إلى أبيدوس، كان الحجاج يقدمون القرابين لأوزوريس. وشملت القرابين الأطعمة والمشروبات، إضافة إلى القرابين الحيوانية. وكان الهدف من هذه القرابين هو نيل بركة الإله وضمان حياة أبدية في الآخرة. وكان الحجاج ينقشون أسماءهم وصلواتهم على اللوحات الحجرية أو يتركونها في المعبد.
بوابة إلى العالم الآخر
كان المصريون يعتقدون أن أبيدوس تمثل بوابة إلى العالم الآخر، وأن أوزوريس، الذي كانوا يعتقدون أنه مدفون هناك، يمكنه ضمان القيامة والحياة الأبدية. وكانت الطقوس الجنائزية تهدف إلى استرضاء أوزوريس، ومنح الأمل للمتوفى في الحياة الآخرة.
وإذا كان الحج إلى أبيدوس قد مثل للمصريين القدماء تأكيد معتقداتهم في الحياة الآخرة. فإن بناء المعابد هناك كان بالنسبة للفراعنة وسيلة لإضفاء الشرعية على حكمهم وتأكيد مكانتهم كأبناء للآلهة.
ويُعد معبد سيتي الأول من أبرز المعالم في أبيدوس، ويعود تاريخه إلى الأسرة التاسعة عشرة، ويتميز تصميم هذا المعبد بالنقوش التي تزين جدرانه والتي تتسم برقة وجمال خاصين من بينها نقش بارز يظهر سيتي الأول وابنه رمسيس الثاني يقدمان القرابين.
ويقول موقع مركز البحوث الأمريكي في مصر إن هذا المعبد تم بناؤه على شكل حرف L بخلاف الشكل المستطيل المعتاد للمعابد، وقد بني بشكل أساسي من الحجر الجيري، مع استخدام الحجر الرملي في بعض الأحيان. وتم الانتهاء من المعبد بعد وفاة سيتي الأول في عهد ابنه رمسيس الثاني.
ويقع خلف معبد سيتي الأول معبد صغير يُعرف باسم أوزيريون مبني من الجرانيت الأحمر، ويُعتقد أنه قبر رمزي لأوزوريس، وهو عبارة عن قاعة مقببة تحت الأرض تحتوي على منصة مركزية بها 10 أعمدة متجانسة محاطة بقناة مياه. ويمثل هذا الهيكل مياه الخلق الأولى وهو أعجوبة معمارية تعكس المهارات الهندسية المتقدمة للمصريين القدماء.
الثراء الديني والثقافي
وفي عام 2014 اكتشف قبر سينبكاي، وهو فرعون غير معروف سابقاً من سلالة منسية، مما يؤكد على أهمية أبيدوس كموقع دفن ودورها في السرد الأوسع للتاريخ المصري. وهكذا، تقف أبيدوس بمثابة شهادة كبيرة على الثراء الديني والثقافي لمصر القديمة حيث تعكس معابدها ومقابرها وأساطيرها الدائمة الأهمية الروحية العميقة التي يحملها الموقع بالنسبة للمصريين القدماء.
ويمتدّ تراث أبيدوس الثقافي والرمزي إلى الفن والأدب والممارسات الدينية المصرية. وتعكس صور أوزوريس وإيزيس وحورس في المعابد والمقابر في جميع أنحاء مصر مركزية أسطورة أبيدوس في الثقافة المصرية.
وفي اليونان القديمة، كان الحج إلى دلفي، موقع معبد أبولو، من أشهر الرحلات الدينية. وكان يُعتقد أن دلفي هي مركز العالم وأنها تحتوي على أوراكل (عرّافة) تقدم التنبؤات والنصائح الإلهية. وكان الحج إلى دلفي يتضمن استشارة أوراكل، وتقديم القرابين، والمشاركة في الألعاب البيثية، وهي مهرجان رياضي وفني يقام كل 4 سنوات.
وفي روما القديمة، كان الحج إلى مواقع مثل معبد فيستا، ومعبد جوبتر، ومعبد ديميتر جزءًا من الممارسات الدينية الرومانية. كما كان الحج إلى مواقع مقدسة مثل معبد بعل في بعلبك جزءًا من الحياة الدينية الكنعانية والفينيقية.
لقد كان الحج عبر الحضارات القديمة ممارسة دينية جوهرية تربط الناس بالآلهة وتعزز الروابط الروحية والاجتماعية. وكانت الرحلات إلى الأماكن المقدسة تتضمن طقوسًا متنوعة تعكس المعتقدات الدينية لكل حضارة.