التغير المناخي: أعاصير واختناقات بحرية وارتفاع منسوب المياه، بين آثار احترار المحيطات

تسجل درجات حرارة المحيطات أرقاما قياسية، على نحو يشير إلى أن الاحترار يتسارع بوتيرة تتجاوز التوقعات، وستتأثر بذلك أنحاء كثيرة من العالم بدءًا من الجروف الجليدية القطبية وحتى المدن الساحلية.

وتعدّ المحيطات بمثابة بطارية بالغة الضخامة؛ فهي تمتصّ كميات كبيرة من الحرارة ثم تطلقها بعد ذلك ببطء. والآن، تمتصّ محيطاتنا أكثر من 90 في المئة من الحرارة المحتبَسة في الغلاف الجوي للأرض بفعل الانبعاثات المتزايدة للغازات الدفيئة.

لكن في الآونة الأخيرة زادت معدلات درجات حرارة المحيطات بشكل دراماتيكي.

ومنذ مارس/آذار 2023، تسجّل درجات حرارة أسطح المحيطات حول العالم معدلات قياسية جديدة على الإطلاق في كل يوم مقارنة باليوم ذاته في الأعوام السابقة.

ما الذي يتسبب في احترار المحيطات بهذه الوتيرة غير المسبوقة؟

السبب الأول هو الارتفاع المطّرد في تركيزات غازات الدفيئة. أما السبب الثاني فهو نشاط ظاهرة “إل نينو” في عام 2023؛ والتي شهدت ارتفاع حرارة سطح المياه بأكثر من معدلاتها المعتادة في منطقة المحيط الهادئ الاستوائي، ما أدى بدوره إلى زيادة معدلات التبخّر – وتحوُّل كميات كبيرة من الحرارة إلى الغلاف الجوي.

وإلى جانب هذين السببين، هناك أسباب أخرى أقلّ بروزاً لكنها لعبت دورا في ارتفاع درجات حرارة المحيطات على مدار العام الماضي بهذه الوتيرة. ومن هذه الأسباب بحسب مايكل مكفادن: ثوران بركان تونغا هونغا في المحيط الهادئ في أوائل عام 2022، ما أدى إلى إطلاق كميات غير مسبوقة من بخار الماء، والذي أسهم بدوره في حبْس كميات كبيرة من الحرارة في الغلاف الجوي.

وفي عام 2020، طالبت المنظمة البحرية الدولية سُفناً تجارية بالتحوّل إلى وقودٍ منخفض الكبريت. وساعد هذا في تقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت الناجم عن حركة الملاحة العالمية. ويساهم ثاني أكسيد الكبريت بالأساس في طرد الحرارة إلى الفضاء بعيدا عن الغلاف الجوي، وفي حال تناقُص ثاني أكسيد الكبريت تتزايد بالتبيعة درجة الاحترار العالمي.

ولكن، حتى باحتساب هذه العوامل والأسباب، فإن آثارها مجتمعة لا تفسّر هذه الدرجة التي ارتفعت بها حرارة مياه المحيطات على مدى العام المنصرم، بحسب الباحث مكفادن الذي يشير إلى أجزاء من شمال المحيط الأطلسي -على سبيل المثال- في الوقت الراهن تشهد احترارا “استثنائيا”، لأسباب غير مفهومة حتى الآن.

أعاصير في الطريق

تعدّ الأمطار الغزيرة والأعاصير من بين أبرز الآثار. وعند ارتفاع درجة حرارة سطح ماء البحر، تتزايد كميات الرطوبة المتبخرة، بحسب ما توضح الباحثة هيلي فاولر. كما يسهم الاحترار العالمي، في الوقت نفسه، في تسخين الغلاف الجوي.

ويمتلك الهواء الأكثر دفئاً كذلك قدرة على الاحتفاظ بمزيد من الرطوبة. لذا فإنه عندما تمطر السماء، يكون هناك الكثير من الرطوبة.

ومع كل درجة واحدة من الاحترار، يزداد بنسبة 7 في المئة احتمال هطول الأمطار وارتفاع الرطوبة، بحسب هيلي فاولر.

وكانت السرعة التي تتكاثف بها أنظمة العواصف في عام 2023 مذهلة بالنسبة لخبراء الأرصاد الجوية.

وتأتي الأعاصير النشطة من بين التوقعات المثيرة للقلق في 2024. ومن المتوقع أيضا أن تتحول ظاهرة “إل نينو” إلى “لا نينا” والتي تفضّل تكوين عواصف مكثفة ومتواترة في شمال المحيط الأطلسي قبالة السواحل الأفريقية.

وفي ظل ارتفاع درجات حرارة سطح المياه بمستويات قياسية تزداد العواصف قوة، ليتمخض ذلك عن موسم أعاصير هو الأكثر نشاطا على الإطلاق.

تحت السطح أيضا، يمكن لآثار الاحترار أن تكون شديدة. ومن أستراليا وحتى تنزانيا، أصبح “ابيضاض الشعاب المرجانية” أكثر شيوعا، بحسب آنا كيروس – عالمة البيئة البحرية وتغير المناخ لدى مختبر بليموث البحري في المملكة المتحدة.

وبخلاف الكثير من الكائنات البحرية الحية، كالأسماك على سبيل المثال، لا تستطيع الشعاب المرجانية أن تنتقل من مكانها إذا زادت درجة حرارة هذا المكان. وفي ظل ارتفاع درجات حرارة الكثير من المناطق في أعماق البحار، تكون النتيجة “مرعبة”.

ويؤدي ارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات إلى حرمان الحياة البحرية من الأكسجين فضلا عن مواد مغذية ضرورية للحياة.

وبالمثل، يتعذّر على الأكسجين الموجود في مياه السطح أن يشق طريقه غائصا في طبقات أعمق من مياه المحيط. ونتيجة لهذا النقص في الأكسجين يحدث المزيد من الاختناقات وبالتالي المزيد من نفوق الكائنات الحية في هذا القاع.

ارتفاع منسوب مياه البحار

الشواطئ أيضا لا يمكنها الهرب من تبعات احترار المحيطات؛ فمع ارتفاع درجات حرارة مياه المحيطات وانخفاض كثافة تلك المياه، تتهيأ لها مساحات أكبر من الفضاء فترتفع جرّاء ذلك مناسيب مياه البحار.

كما يسهم احترار المياه في ذوبان الجليد بالقارة القطبية الجنوبية وبجزيرة غرينلاند (تقع بين المحيط المتجمد الشمالي والمحيط الأطلسي).

وعلى مدى الـ 140 سنة الماضية، ارتفعت مناسيب مياه البحار حول العالم بمقدار يتراوح بين 21 إلى 24 سنتيمترا (8-9 بوصات) في المتوسط.

وبحسب وليام سويت، الباحث لدى الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي بالولايات المتحدة، فإن منسوب مياه البحر على طريقه لمزيد من الارتفاع بمقدار يتراوح بين 6 إلى 7 بوصات (15-18 سنتيمترا) في المتوسط بحلول عام 2050.

 

المصدر: BBC
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments