يمكن أن تكون الأعراض المرتبطة بانقطاع الطمث مُنهكة. وتقول نساء عاملات إنهن يفتقرن إلى برامج الدعم من قبل أصحاب الأعمال، وليس لديهن خيار سوى ترك وظائفهن.
في مارس/ آذار من عام 2016، قررت “مادو كابور” الاستقالة من منصبها في إدارة حكومية بريطانية حيث عملت لمدة 23 عاما. وتقول المرأة البالغة من العمر 58 عاما من شمال لندن: “لقد أحببت عملي، وكنت مخلصة وملتزمة. لكنني لم أعد قادرة على التأقلم، واعتقدت أن أفضل شيء أفعله هو الرحيل”.
كانت الأم لطفلين في منتصف الأربعينيات من عمرها، عندما بدأت تعاني من أعراض فترة ما قبل انقطاع الطمث. وكانت تعاني من التعرق الليلي وخفقان القلب والصداع النصفي، ما جعلها تشعر بالضعف والخمول. لقد كافحت للتركيز في العمل، وكانت تخشى حضور الاجتماعات المنتظمة التي كانت جزءا من وظيفتها كأخصائية توظيف. وتقول: “لقد فقدت ثقتي بنفسي. اعتقدت أنني لم أكن جيدة في أي شيء”.
“لم أستطع الاستمرار بهذه الوتيرة”
سيعاني ثلاثة أرباع النساء من بعض التأثيرات على الأقل خلال هذه الفترة، بما في ذلك التعرق الليلي والتعب والصداع وآلام المفاصل والقلق من بين 34 عرضا معترفا به طبيا. وبالنسبة لـ 25 في المئة منهن، ستكون هذه الأعراض منهكة، وسيكون لها تأثير كبير على حياتهن اليومية.
وعلى الرغم من مدى انتشار المشكلة، فإن العاملات اللاتي يمررن بفترة انقطاع الطمث نادرا ما يشعرن بالدعم. أظهرت البيانات الحديثة الصادرة عن شركة “كورن فيري” الاستشارية أن 26 في المئة فقط، من 8000 امرأة شملهن الاستطلاع، تلقين المساعدة عبر برامج أو سياسات رسمية في مكان العمل.
وفي دراسة استقصائية أجريت عام 2023 على 11 ألف عضوة في النقابة، أجرتها النقابة العمالية في بريطانيا “يونايت”، أفادت أربع من خمس نساء أن صاحب العمل لا يقدم أي دعم في العمل، لأولئك اللائي يعانين من أعراض انقطاع الطمث.
“علينا أن نسأل أنفسنا عندما تترك المرأة مكان العمل في هذا العمر أو خلال هذه المرحلة الانتقالية، كم منهن لا يتحدثن عن السبب” – تامسن فادال
كانت سامانثا تبلغ من العمر 40 عاما وتعمل كمديرة علاقات عامة في إحدى شركات التصنيع، عندما بدأت تعاني لأول مرة من التعب والهبات الساخنة والصداع في العمل.
في البداية، لم يخطر ببالها أن الأعراض يمكن أن تكون علامة على انقطاع الطمث. ظهر الموضوع فقط عندما زارت الطبيب حول الدورة الشهرية المتكررة والغزيرة، التي استنزفت طاقتها. طوال العامين التاليين، وجدت الأم لطفلين صعوبة متزايدة في إدارة متطلبات وظيفتها إلى جانب الأعراض الشديدة.
الرحلات الأسبوعية من لندن إلى نيويورك، والبدء المنتظم ليومها في الساعة 05:00، والتوفيق بين المسؤوليات المتعددة كان له أثره عليها. وتقول: “لم أستطع الاستمرار بهذه الوتيرة”.
فكرت سامانثا لفترة وجيزة في فكرة طرح الموضوع على الشخص المعين للتعامل مع شؤون الموارد البشرية في الشركة، لكن عمره وجنسه جعلا الأمر يبدو محرجا، كما تقول.
وعندما طرحت أخيرا فكرة المشاركة في الوظيفة أو تعيين شخص إضافي لإدارة عبء عملها، رفض مديرها التنفيذي هذا الطلب. ولما شعرت بعدم وجود خيار آخر، سلمت طلب استقالتها بعد ستة أشهر، واختارت البدء في العمل كمستشارة علاقات عامة وتسويق مستقلة بدلاً من ذلك.
تعتقد تامسن فادال، وهي صحفية ومؤلفة ومدافعة عن دعم النساء في مرحلة ما بعد انقطاع الطمث، مقيمة في الولايات المتحدة، أن عدد النساء اللاتي يشعرن بأنهن مجبرات على ترك العمل بسبب انقطاع الطمث غير موثق، ولا يتم تقديره بشكل كافٍ. وتقول: “علينا أن نسأل أنفسنا عندما تترك النساء مكان العمل في هذا العمر أو خلال هذه الفترة الانتقالية، كم منهن لا يتحدثن عن السبب”. “هذه مشكلة حقيقية”.
بالنسبة لكثير من الناس، يظل موضوع انقطاع الطمث من الموضوعات المحظور التحدث عنها. وتعتقد فادال أن النساء يجدن صعوبة خاصة في مشاركة معاناتهن، والتعبير عن المساعدة التي يحتاجونها من أصحاب العمل.
وتقول: “لم يرغب أحد من أمهاتنا في التحدث عن الأمر إلى أطبائنا، فكيف يمكن التحدث لأصحاب العمل؟” وتضيف أن التهديد المتمثل في التمييز على أساس السن يجعل من الصعب على العديد من النساء التحدث علناً. “إن التعبير عن احتياجاتنا أمر مخيف. فالخوف من الشيخوخة خارج مكان العمل لم يغادر عقولنا بعد”.
حقيقة أن العديد من الفرق القيادية لا تزال يهيمن عليها الذكور تعزز قرار التزام الصمت في مكان العمل، كما تقول لورين كايرين، مدربة متخصصة في مجال انقطاع الطمث في الشركات ومقرها بريطانيا.
وتقول: “مع استمرار الرجال في شغل أغلبية المناصب القيادية العليا في معظم القطاعات، قد يكون هناك نقص في الفهم أو التعاطف تجاه انقطاع الطمث، باعتباره مشكلة صحية حرجة”.
سد الفجوة
تعد شركات أدوبي وبنك أمريكا وبريستول ميرز سكويب من بين عدد قليل من كبار أصحاب العمل العالميين، الذين يقدمون الآن مزايا خاصة بمرحلة ما بعد انقطاع الطمث، مثل الوصول إلى المشورة الطبية الشخصية المتخصصة، والإجازات مدفوعة الأجر والعلاج بالهرمونات البديلة التي تغطيها خطط التأمين الصحي. وبدأت بعض الشركات الصغيرة أيضاً تدرك أهمية هذه البرامج، وتتخذ أساليب مماثلة.
ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به. تقول فادال: “تعمل بعض أماكن العمل بشكل استباقي في تقديم الدعم، لكن البعض الآخر قد لا يعتقد أنه ضروري، أو لا يعرف من أين يبدأ”.
ولهذا السبب يعمل العديد من الناشطين والجمعيات الخيرية والمنظمات على سد هذه الفجوة. لقد تم التوقيع على حملة تعهد انقطاع الطمث في مكان العمل – والتي يلتزم بموجبها أصحاب العمل في بريطانيا بتقديم الدعم بنشاط للعاملات في مرحلة انقطاع الطمث ــ من قبل أكثر من 2600 صاحب عمل، بما في ذلك شركة تيسكو، والبريد الملكي، وهيئة الخدمات الصحية الوطنية في إنجلترا منذ عام 2011.
وفي العام الماضي، وقعت وكالة الإعلانات الأمريكية عقد شراكة مع مؤسسة “ميبو” المعنية بالتوعية حول انقطاع الطمث لإطلاق هاشتاغ “استقالة مثيرة”. ودعت قادة الموارد البشرية إلى النظر في كيفية ارتباط الاستقالات بانقطاع الطمث، وقدمت مجموعات أدوات وموارد مجانية لمساعدتهم على تحسين الاحتفاظ بالموظفات.
وتضيف فادال أن التغيير من أصحاب العمل لا يمكن أن يأتي بالسرعة الكافية. وتقول: “علينا أن نتوقف عن مطالبة النساء بالتعامل مع التهديد المزدوج المتمثل في وصمة العار والتمييز على أساس السن، وعلينا دعمهن للحصول على ما يحتجن إليه لمساعدتهن على الشعور بالكمال، جزئيا من خلال التعليم، وجزئيا من خلال الدعم في العمل وفي عيادة الطبيب”.
ومثل فادال، عانى العديد من القيادات النسائية اللائي يضغطن من أجل التغيير من عدم وجود دعم مباشر في مرحلة ما بعد انقطاع الطمث في مكان العمل.
كانت تدخل الاجتماعات وتشعر فجأة بأنها غير قادرة على نطق الكلمات الصحيحة، وتتوه منها الكلمات بسبب القلق. وتتذكر قائلة: “في إحدى المرات، كنت متشبثة بذراعي الكرسي أشاهد الساعة تدق دون أدنى فكرة عن موضوع هذا الاجتماع”. “لم يسبق لي تجربة أي شيء مثل ذلك من قبل”.
وتعتقد كايرين أن زيادة الوعي بالأعراض المحتملة في مكان العمل كان من الممكن أن يحدث فرقا كبيرا.
وتقول: “لم أكن لأجري هذه المحادثة معك الآن، لو كنت قد عملت مع صاحب عمل لديه هذه المشكلة على جدول الأعمال، وكان لديه مديرين يعرفون ما هو انقطاع الطمث وكانوا قادرين على فتح تلك المحادثة وإرشادي نحو المساعدة والدعم “.
ردا على ذلك، قامت كايرين بتأسيس منظمة “نساء في مرحلة معينة” في غضون أسابيع من تقديم استقالتها، حيث قدمت التدريب والدورات والفعاليات المصممة لتقديم الدعم للنساء وتوعية أصحاب العمل.
وتقول: “أنا من خلفية عائلية آسيوية تقليدية. لم نتحدث عن الجنس أو الدورة الشهرية أو انقطاع الطمث”. وتضيف: “السبب الذي يجعلني أفعل ما أفعله الآن هو أن يتمكن عدد أكبر من النساء من فهم الأعراض المحتملة، وزيادة معرفتهن ووعيهن”.
وتقول كابور إنه لو كان هذا هو الوضع الطبيعي قبل ثماني سنوات، فربما كانت لا تزال تؤدي الوظيفة التي تحبها.