في مثل هذا الوقت قبل نحو عام، كانت أنظار العالم متجهة إلى أعماق بعيدة في المحيط الأطلنطي الشمالي، حيث انقطع التواصل مع الغواصة تيتان التي كانت في رحلة سياحية لمشاهدة حطام السفينة الشهيرة تيتانك.
وكان على متن الغواصة المفقودة خمسة أشخاص دفع كل منهم للاستمتاع بهذه الرحلة 250 ألف دولار، كما كانت الغواصة مزودة بما يكفي من الأكسجين لمدة 96 ساعة، لتنطلق محاولات إنقاذ مستميتة.
ولكن بعد بضعة أيام، أكدت السلطات العثور على حطام الغواصة تيتان التي كانت قد انفجرت على عمق 3800 متر تحت سطح الماء.
وقد يتسنى لأي شخص أن يرى في هذا المصير الذي لاقته الغواصة تيتان مدعاة لإعادة النظر في فكرة السياحة إلى الأماكن الخطرة.
وفي ذلك يقول مارش: “لم يُبدِ أحدُ دهشة بشأن وقوع وفيات في تلك الرحلات الاستكشافية. فالكل يعلم أن وقوعها ليس مستبعدا. بل إن قليلين للغاية مَن يلقون بالاً للأمر”.
في غضون ذلك، ورغم حجم التلوث الكبير الذي يُحدثه إطلاق صواريخ إلى الفضاء، زاد عدد الصواريخ الخاصة التي أُطلقت بأكثر من الضِعف منذ عام 2019، ويرجع الفضل في جانب كبير من ذلك إلى التنافس المحتدم على الهيمنة في هذا المضمار فيما بين المليارديرات: بيزوس، وإيلون ماسك، وريتشارد برنسون.
وتعدّ الرغبة في استكشاف آفاق بعيدة -سواء عبر ركوب البحر، أو الانطلاق في رحلة فضائية- إحدى الرغبات الإنسانية، بحسب ديانا وايبل باحثة الأنثروبولوجيا المتخصصة في السياحة الدينية والسياحة الفضائية.
وقد يرى البعض في القيام برحلات فضاء لا تتجاوز مدتها عشر دقائق محاولة سخيفة للتباهي أمام الغير، لكن وايبل تقول إن مشاهدة الأرض من عتمة الفضاء الخارجي تُحدث أثرا بالغاً وجذريا في نفوس أصحاب هذه التجربة – فيما يعرف علميا باسم “أثر المشاهدة من مكان مرتفع (أوفرفيو إفيكت)”.
ومَن يشاهد الأرض من الفضاء يكتشف بوضوح أنها بلا حدود، وأننا جميعا نعيش في كوكب صغير أزرق اللون يسبح وحيدا في خِضمّ من العتمة.
تقول ديانا: “تجد نفسك مضطرا إلى الإقرار بأنك تعيش على أحد الكواكب التي تدور حول الشمس وأن هناك عالما بأسره من حولك .. إن هذه التجربة تثبت على نحو لا يمكن إنكاره ما كان من قبل مجرّد نظرية وخيالاً متخيَّلا”.
هي إذن تجربة ملهمة، وبالعودة إلى الأرض، شاهدنا كيف تُغري مغامرات الأثرياء غيرهم على احتمال التكاليف مهما كانت مرتفعة في سبيل القيام بالمغامرة ذاتها.
وكلّفت جهود إنقاذ الغواصة تيتان الحكومة الأمريكية ملايين الدولارات كما اجتذبت أنظار الناس من حول العالم.
وعلى النقيض، قبل أيام قلائل من حادث غرق الغواصة تيتان، كان هناك قارب صيد يحمل على متنه مئات المهاجرين غير الشرعيين ويصارع الغرق أمام السواحل اليونانية، ولم يجد ما يستحق من جهود الإنقاذ حتى غرق أكثر من 600 إنسان.
ويقترح آرون أبنيجا، الباحث في جامعة بوسطن، أن تكون إحدى طرق التعامل مع المخاطر المحتملة في السياحة إلى الأماكن الخطرة متمثلة في إلزام الشركات التي تقدّم تلك الرحلات بعمل التأمين اللازم بحيث يمكن محاسبتها حال وقوع أية مخاطر.
يقول أبنيجا: “التأمين فيما يتعلق بالبحث والإنقاذ ينبغي أن يكون إلزامياً بصورة ما”.
ولكن على غرار الباحث مارش، لا يعتقد أبنيجا أن المخاطر التي تكتنف السياحة إلى الأماكن الخطرة كافية للحدّ من الزخم الذي يشهده هذا القطاع السياحي المكلّف ماديا.
وكذلك، لا تعتبر التكلفة العالية لأمثال تلك الرحلات الخطرة مانعاً لارتيادها على المدى البعيد؛ حيث “ستنخفض التكاليف لتصبح هذه الرحلات ممكنة لقطاع أعرض من الناس” بحسب آرون.
على أن كثيرين آخرين يرون أنه لا حاجة للإنسان في المخاطرة بحياته عبر التحليق في أجواز الفضاء أو الغوص في أعماق البحار والمحيطات من أجل الحصول خِبرة ترحال مفيدة.
وترى أنه “في بعض الأحيان، تؤدي أمثال هذه المغامرات إلى عزل صاحبها عن العالم”.
تضيف بولين أن أكثر ما تذكره من خبراتها في الترحال يتمثل في لقاءات لم تكن متوقعة بأشخاص غرباء أو في التريّض صباحا بينما تنفض المدينة النعاس عن أهدابها.
وتخلص إلى أنه “قد تبدو مثل هذه الخبرات روتينية، بعكس السياحة إلى الأماكن الخطرة، لكن ذلك لا ينقص من قدرتها على المثول في الذاكرة”.