تقدم في العمر أم نقص هرمونات.. لماذا يصاب بعض الرجال بالسمنة والاكتئاب؟

“منذ حوالي عامين، بدأت أشعر بحالة من الخمول والكسل وانخفاض الطاقة بصورة غير مسبوقة، كما صرتُ أعاني من الاكتئاب وعدم الاكتراث بأي شيء. وبدأت أعاني من السمنة بشكل متزايد، ولا سيما في منطقة الخصر”.

هكذا أخبرنا “كمال” (اسم مستعار)، وهو من سكان العاصمة المصرية القاهرة ويبلغ من العمر 47 عاما. يسلّم “كمال” بأن ما يشعر به هو نتاج طبيعي لبلوغه ما يطلق عليه فترة منتصف العمر أو مرحلة الكهولة، ويصر على أنه لا يستطيع أن يفعل شيئًا للتخلص من تلك الأعراض.

كمال ليس الوحيد، فبعض الرجال يصابون بتلك الأعراض وغيرها، مثل فقدان الرغبة الجنسية والهبات الساخنة والتقلبات المزاجية عند بلوغ منتصف الأربعينات أو أوائل الخمسينات من العمر.

وباتت وسائل الإعلام الغربية في الأعوام الأخيرة الماضية تتحدث عن Male Menopause (“الإياس الذكوري”) على غرار الـ Menopause وهو مرحلة انقطاع الطمث عند المرأة.

هذه الحالة لم تكتشف حديثا، فقد تحدث عنها المختصون منذ عقود طويلة مضت، ولطالما كان هناك جدل حول المسميات وحول ما إذا كان ينبغي اعتبارها حالة مرضية، كونها أقل شيوعا مقارنة بأعراض انقطاع الطمث عن النساء، أو تشبيهها بهذه المرحلة من الأساس.

هل يطابق ذلك ما يحدث للمرأة عند انقطاع الطمث؟

يشار إلى أن انقطاع الطمث يتسبب لبعض النساء في أعراض حادة بسبب التوقف المفاجئ للوظائف الهرمونية للمبيضين بسبب نضوب مخزونهما من البويضات ما بين سن الـ45 والـ55.

لكن الانخفاض المفاجئ والكبير لهرمون الإستروجين عند المرأة لا يقابله انخفاض مفاجئ لهرمون التستوستيرون عند الرجال، إذ يتناقص الأخير بنسبة مستقرة تبلغ حوالي 1 في المئة سنويا ابتداء من الثلاثينات أو الأربعينات من العمر. كما أن نسبة انخفاض ذلك الهرمون الذكوري تتفاوت من رجل إلى آخر، بعكس انقطاع الطمث الذي يحدث لكافة النساء.

لكن هناك حالة مرضية يصاب بها الرجال ويطلق عليها اسم late-onset hypogonadism (قصور الغدد التناسلية في مرحلة متقدمة من العمر)، وهو “مصطلح علمي عام يشير إلى المتلازمة الإكلينيكية التي يتسبب فيها قصور هرمون الذكورة، وهو ما قد يكون له أثر سلبي على العديد من وظائف الأعضاء وجودة الحياة”، كما يقول البروفيسور جوزيف.

تحدث هذه الحالة المرضية بسبب ضعف الهرمونات التي تُنتَج في الخصيتين أو انعدامها، وفي أغلب الأحيان يصاب بها الرجال الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاما ولا سيما هؤلاء الذين يعانون من السمنة أو النوع الثاني من مرض السكري. ويلفت موقع الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا إلى أن قصور الغدد التناسلية في مرحلة متقدمة من العمر “حالة مرضية محددة وغير شائعة ولا تعتبر نتاجا طبيعيا للكبَر”.

يقول البروفيسور جوزيف إن الأعراض تشمل ما يلي:

الأسباب

وفقا لموقع الخدمات الصحية الوطنية البريطانية، فإن الأعراض التي يعاني منها بعض الرجال في مرحلة منتصف العمر وما بعدها نادرا ما تكون ناتجة عن تغيرات هرمونية، بل في أغلب الأحيان تكون عوامل نفسية أو عوامل تتعلق بنمط حياة الشخص.

ويقول البروفيسور جوزيف إن هناك أربعة أسباب رئيسية للـ”إياس الذكوري”:

التشخيص والعلاج

تحليل عينات من الدم لقياس مستويات التستوستيرون وحده لا يعد تشخيصا، على حد قول البروفيسور جوزيف. “في الوقت الحالي، يتطلب تشخيص اضطرابات الغدد التناسلية في سن متقدمة وجود أعراض ودلائل تشير إلى وجود نقص في التستوستيرون. وتستخدم بعض الاستبيانات مثل استبيان Androgen Deficiency in Aging Males (نقص هرمون الذكورة عند الذكور في مرحلة الكهولة وما بعدها، وتعرف اختصارا بـ ADAM) لتحديد تلك الأعراض.

ويعد عدم الوعي والشعور بالحرج من الحديث مع الطبيب من أبرز العقبات التي تقف في طريق التشخيص الصحيح والعلاج.

“إجراء تغييرات على نمط الحياة، مثل اتباع نظام غذائي صحي وممارسة الرياضة بشكل منتظم والسيطرة على مستويات القلق والتوتر” من الممكن أن تكون لها فائدة كبيرة في العلاج، بحسب جوزيف، الذي يضيف أن العلاج بهرمون التستوستيرون البديل (TRT) من الممكن أيضا أن يخفف من حدة تلك الأعراض، “لكن من المهم معرفة المخاطر المحتملة لذلك العلاج وليس فقط فوائده”.

العلاج بالتستوستيرون: الفوائد والمخاطر

يقول جوزيف إن “العلاج بهرمون التستوستيرون فعال وآمن، وهناك أدلة تشير إلى أن تثبيت الهرمون عند مستويات طبيعية قد يؤدي إلى تخفيض نسبة انتشار الأمراض والوفيات. كما أن ما يؤدي إليه العلاج من تحسن في الصحة الجسدية والجنسية والعقلية من الممكن أن يعطي للرجال فرصة جديدة لعيش حياة أفضل”.

ويضيف أن ” الفحص والإشراف الدوريين وتصميم خطة علاجية تلائم كل مريض على حدة أمور ضرورية لضمان أمان وفعالية العلاج. عندما يتم العلاج بالشكل الصحيح، فإنه من الممكن أن يغير حياة الكثير من الرجال إلى الأفضل”.

أغراض تجارية؟

ويرى خبراء أن تركيز الاهتمام على “الإياس الذكوري” أحيانا ما تكون له أغراض تجارية، ولا سيما في الولايات المتحدة، إذ يتم عقد مقارنات بينه وبين ما يحدث للإناث في فترة انقطاع الطمث بغية بيع منتجات تحتوي على التستوستيرون بدون أن يكون هناك دليل علمي على فوائدها.

ويعرب الدكتور جوزيف عن قلقه إزاء وجود “ما يشبه السوق السوداء” في هذا المجال.

“هناك استخدام متزايد للمنشطات وبدائل التستوستيرون غير المصرح بها في صالات الجيمنازيوم، وهو أمر مثير للقلق لأن الرجال عادة لا يحصلون على النصائح والإرشادات الطبية اللازمة فيما يتعلق بالآثار الجانبية المحتملة لتلك العقاقير غير الخاضعة للرقابة”.

من الواضح أن ثمة خلافا على تشخيص “إياس الذكور” وعلاجه، وعلى التسمية ذاتها، وعلى ما إذا كان من الدقة المقارنة بينها وبين أعراض مرحلة انقطاع الطمث عند النساء. ولكن ما يتفق عليه الجميع هو أنه بغض النظر عما إذا كانت الأعراض التي يعاني منها الرجل هرمونية أم لا، فإن لها في نهاية المطاف تأثير سلبي على صحة الرجل وجودة حياته، ومن ثم ينبغي أن يستشير طبيبا مختصا للتوصل إلى تشخيص ملائم والسيطرة على تلك الأعراض أو التخلص منها.

 

المصدر: BBC
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments