القهوة: ماذا يحدث لجسم الإنسان حال الإفراط في تناول الكافيين؟

تعد مادة الكافيين عنصرا نشطا في بعض المشروبات المفضلة في شتى أرجاء العالم، ولها تأثير قوي على الإنسان، والسؤال ماذا يحدث إذا تناولنا كمية كبيرة من الكافيين؟

يوجد الكافيين بشكل طبيعي في فنجان قهوتك الصباحي وفنجان الشاي أو يمكن إضافته إلى مشروب الطاقة المفضل لديك فضلا عن وجوده في العديد من المشروبات الغازية الشهيرة، وبالنسبة لكثيرين، تستطيع جرعة من الكافيين أن تمنح الجسم والذهن دفعة من النشاط اللازم في حالة الشعور ببعض الخمول.

بيد أن الولايات المتحدة أوقفت في الآونة الأخيرة نشاط إحدى الشركات البارزة التي تنتج مشروبا لعصير الليمون بعد ادعاءات بأن منتجها يحتوي على نسبة عالية من الكافيين التي تشكل خطورة على الجسم، على الرغم من تقارير أفادت بأن المنتج يحتوي على الكمية اليومية الموصى بها من الكافيين بالنسبة للبالغين في البلاد.

وأثار القرار تساؤلات عن كمية الكافيين التي تدخل في نطاق الإفراط، وهل يعتبر من المهم معرفة مصدر الحصول على الكافيين؟

ويقول كينيث جاكوبسون، رئيس قسم التعرف الجزيئي في المعهد الوطني للسكري وأمراض الجهاز الهضمي والكلى في الولايات المتحدة: “الأدينوزين هو أحد المواد التي ينتجها الجسم بشكل طبيعي وتسبب في تهدئة نشاط مختلف أعضاء الجسم التي تتعرض للضغط أو في حاجة إلى تقليل الطاقة”.

ويقول داميان بيلي، أستاذ علم وظائف الأعضاء في جامعة جنوب ويلز في المملكة المتحدة، إن الكافيين يمكن أن يعزز أيضا مستويات الناقلات العصبية الأخرى مثل الدوبامين والأدرينالين، مما يجعل الجسم يشعر بمزيد من اليقظة والنشاط.

ويضيف: “المخ أشبه بعضلة كبيرة، بحاجة إلى أداء أشياء، ويحفزه الدوبامين والأدرينالين والكافيين”.

توجد أدلة كثيرة على تأثير الكافيين على صحتنا، لاسيما القهوة، لكونها واحدة من أكثر المشروبات التي تسهم في تقديم الكافيين ضمن النظام الغذائي لمعظم سكان العالم.

وخلصت دراسة كبيرة، شملت مراجعة ما يزيد على 200 تحليل إحصائي في عام 2017، إلى أن شرب ثلاثة إلى أربعة فناجين قهوة يوميا يحقق في أحيان كثيرة فوائد صحية وليس أضرارا، كما أن الدراسات التي رصدت حدوث أضرار صحية يمكن تفسيرها من خلال ارتفاع نسبة شرب القهوة الذي يصاحبه إفراط في التدخين أيضا.

وعلى الرغم من ذلك فإن إحدى المجالات التي قد تصبح فيها الأمور دقيقة بعض الشيء هي صحة القلب، إذ أظهرت إحدى الدراسات السكانية التي شملت نحو 19 ألف شخص أنه في حين أن شرب أكثر من فنجانين من القهوة يوميا يرتبط بزيادة خطر الوفاة بسبب أمراض القلب بين الأشخاص الذين يعانون بالفعل من ارتفاع ضغط الدم، لم يكن هذا هو الحال بالنسبة لأولئك الذين يعانون من ضغط دم طبيعي.

وخلصت دراسات إلى أن القهوة يمكن أن يكون لها تأثير أيضا على مدى جودة ممارسة الرياضة، كما أظهرت إحدى الدراسات التي أجريت على هواة ركوب الدراجات أن القهوة يمكن أن تحسن الأداء البدني بنسبة تصل إلى 1.7 في المئة، كما توجد صلة بين الكافيين وتراجع خطر الإصابة بعدة أنواع من السرطان وأمراض القلب والسكري من النوع الثاني.

ويقول جاكبسون إن العلماء رصدوا أن تناول القهوة، وليس الشاي، يحمي من الإصابة بالاكتئاب، وهناك أيضا أدلة على أن مضادات الأدينوزين، بما في ذلك الكافيين، التي تمنع مستقبلات الأدينوزين، مفيدة للمخ بالنسبة لكبار السن.

ويضيف: “أجريت دراسة عملية لمادة الكافيين نفسها، وغيرها من الجزيئات الاصطناعية الشبيهة بالكافيين، وأظهرت أنها مفيدة للمصابين بأمراض التنكس العصبي، بما في ذلك الخرف المعروف بالزهايمر”.

كما ربطت دراسات بين تناول الكافيين وتراجع خطر الإصابة بمرض الزهايمر بنسبة تصل إلى 60 في المئة.

ويتطرق تفسير إلى أن الكافيين يحسّن تدفق الدم إلى المخ، كما يقول بيلي، الذي أضاف أن المخ يحرق كمية هائلة من الطاقة، وعلى الرغم من أن وزنه لا يتجاوز 2 في المئة من وزن الجسم، إلا أنه يمثل ما يزيد على رُبع احتياجات الجسم الكاملة من الطاقة.

وقال بيلي: “على الرغم من أن قدرة الكافيين على زيادة تدفق الدم إلى المخ أمر جيد، إلا أن هذا يمكن أن يؤدي أيضا إلى الإحساس بالصداع، لذا فإن الكافيين عامل خطر يؤدي إلى الإصابة بالصداع النصفي”.

كما ارتبطت القهوة بتحفيز تركيبات صحية من ميكروبات الأمعاء، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد ما إلى احتوائها على مادة البوليفينول النشطة بيولوجيا ومركبات شبه قوية، يعد الكافيين واحدا منها، وأثبتت دراسات أن التركيب الصحيح للميكروبات المعوية يمكن أن يكون له تأثيرات واسعة على صحتنا.

ويضيف: “أظهرت بيانات أن شرب القهوة يقلل من الإصابة بمرض السكري، بيد أن التأثيرات موجودة أيضا في القهوة الخالية من الكافيين، لذلك ربما لا يرتبط الأمر بالكافيين”.

ويمكن للعديد من المشروبات التي تحتوي على الكافيين أن يكون لها تأثيرات مختلفة بسبب مواد أخرى تحتوي عليها، وهو ما ينطبق حتى على أنواع مختلفة من القهوة.

وعلى الرغم من أن القهوة سريعة التحضير تحتوي على مادة البوليفينول الصحية على نحو أكثر من قهوة الفلتر، إلا أنها تحتوي أيضا على مزيد من مادة الأكريلاميد التي تسبب خطرا.

كما رصد العلماء أن الشاي له تأثيرات مضادة للالتهابات مماثلة، لأنه يحتوي على مادة الفلافانول.

هل تحتوي القهوة وحدها على الكافيين؟

على الرغم من أن القهوة معروفة بخصائصها التي تحتوي على الكافيين، إلا أن الشاي منافس قوي لها.

ويقول بيلي: “الشاي الأسود والأخضر المخمر بقوة يمكن أن يكون له تأثير كبير فيما يتعلق بالكافيين”.

كما رصد الباحثون، في أول دراسة بشأن آثار الشاي مقارنة بالقهوة، وجود فوائد صحية محتملة في حالة شرب الشاي بدلا من شرب القهوة فقط، وخلصت نتائج دراستهم إلى أن الرجال الذين يحصلون على نحو ثلث ونصف كمية الكافيين خلال تناولهم اليومي من القهوة هم الأقل من حيث خطر الوفاة، كما أن النساء اللاتي يشربن القهوة فقط، أو ما يصل إلى 40 في المئة من الشاي، هن الأقل من حيث خطر الوفاة، مقارنة بمن يشربون الشاي بمعدلات أكثر.

كما يوجد اتجاه آخر أكثر حداثة وهو استخدام الكافيين في مشروبات الطاقة، وهو مصطلح غامض يطلق على مشروبات غازية تحتوي على الكافيين ومكونات أخرى بما في ذلك السكر ومنشطات أخرى، من بينها نبات الغوارانا، الذي تحتوي بذوره على نحو أربعة أضعاف الكافيين الموجود في حبوب القهوة، وقد يؤدي مزيج المواد الكيميائية الطبيعية الأخرى في بذور نبات الغوارانا إلى زيادة آثارها المنشطة مقارنة بالكافيين وحده.

وتشير الدراسات إلى أن بعض مشروبات الطاقة التي تحتوي على الكافيين الأكثر شيوعا في بريطانيا والولايات المتحدة تحتوي على ما بين 75 و160 ملجم من الكافيين، لكن بعضها يحتوي على ما يصل إلى 500 ملجم من الكافيين.

وتضيف: “قد يفضي ذلك على المدى الطويل إلى حدوث أضرار للقلب مثل انخفاض ضغط الدم وعدم انتظام ضرباته، فضلا عن حدوث اضطرابات عصبية مثل نوبات الهلع والنوبات المرضية”.

اختيار الوقت المناسب

سواء كنت من بين أولئك الذي يتناولون مشروبات تحتوي على الكافيين للحفاظ على حالة يقظة خلال الاجتماعات أو في محاولة لتحسين قدرتك على التحمل في صالة الألعاب الرياضية، يبدو أن تحديد الوقت المناسب من اليوم مهم في الأمر.

ويقول بيلي: “تتراكم مستويات الكافيين في مجرى الدم بعد 20 دقيقة، ويستغرق الأمر نحو ساعة للوصول إلى ذروة الكافيين”.

ويضيف: “يساعد الكافيين في انقباض العضلات بقوة أكبر، كما يعزز قدرتنا على تحمل التعب، لذلك يمكن أن يعزز أداء الجسم بشكل كبير في حالة تناوله قبل ساعة واحدة من أداء التمرينات”.

 

المصدر: BBC
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments