يُحتفل باليوم العالمي للامتناع عن التدخين في جميع أنحاء العالم في 31 مايو/ آيار من كل عام. ويهدف الاحتفال السنوي إلى توعية الناس بمخاطر استخدام التبغ. وقد أطلقت الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية اليوم العالمي للامتناع عن تعاطي التبغ في عام 1987 لجذب انتباه العالم إلى وباء التبغ والوفيات التي يسببها والأمراض التي يمكن الوقاية منها بالإقلاع عنه.
الغليون والسيجار والنرجيلة
وفي جنوب أوروبا، ضمنت مصانع التبغ الكبرى المملوكة للدولة في قادس وإشبيلية استمرار شعبية السيجار، على الرغم من أن الضباط لم يبدأوا بنشره في بريطانيا إلا بعد حرب شبه الجزيرة الأيبيرية (1808-1814).
وظهرت النرجيلة مع إدخال التبغ والغليون لأول مرة من أوروبا إلى شمال غرب الهند المغولية في النصف الأخير من القرن السادس عشر.
وتشير الروايات إلى أن أكبر، الإمبراطور المغولي الثالث (حكم من 1556 إلى 1605)، كان أول من جرب هذه المادة. فصنع طبيب أكبر، الذي كان قلقاً بشأن الآثار الصحية للدخان المستنشق مباشرة، أنبوباً يجبر الدخان على المرور عبر الماء قبل استنشاقه، وزعم أن هذه العملية تنقي الدخان.
ومع ذلك، تشير روايات تاريخية أخرى إلى أن النرجيلة ربما تم إدخالها في وقت سابق إلى الشرق الأوسط.
وتطور شكل الأنبوب مع انتشار استخدام النرجيلة عبر بلاد فارس والإمبراطورية العثمانية في القرن السابع عشر، ووصلت في النهاية إلى الصين وجنوب شرق آسيا وأجزاء كثيرة من أفريقيا بحلول نهاية القرن السابع عشر.
رحلة السيجارة من يدوية إلى إلكترونية
تم بيع السجائر في الأصل باعتبارها سلعة فاخرة مصنوعة يدوياً وباهظة الثمن للنخب الحضرية في أوروبا. ومع ذلك، حدثت ثورة في صناعة السجائر من خلال إدخال آلة لف تسمى آلة بونساك، والتي سجل براءة اختراعها الأمريكي جيمس بونساك في الولايات المتحدة في عام 1880.
وسرعان ما تم استخدام الآلة من قبل رجل الصناعة الأمريكي جيمس بوكانان ديوك، الذي أسس شركة التبغ الأمريكية (إيه تي سي) في عام 1890. وأدت السجائر الرخيصة المنتجة بكميات كبيرة تدريجياً إلى انخفاض في إنتاج الغليون.
وعلى الرغم من أن شركات أمريكية الأخرى دخلت السوق العالمية بعد تفكك إيه تي سي – نتيجة لحكم المحكمة العليا عام 1911 بموجب قانون شيرمان لمكافحة الاحتكار (1890) – إلا أن بي إيه تي (شركة التبغ البريطانية الأمريكية التي كان ديوك شريكا فيها) استمرت في تحقيق الكثير من النجاح.
وفي عام 1999، أنتجت شركة بي إيه تي أكثر من 800 مليار سيجارة سنويًا، مما جعلها ثالث أكبر شركة تبغ في العالم (خلف شركتي فيليب موريس الولايات المتحدة الأمريكية وفيليب موريس إنترناشونال، اللتين احتلتا معًا المرتبة الثانية، وشركة التبغ الوطنية الصينية، التي احتلت المرتبة الأولى).
وكان النصف الأول من القرن العشرين هو العصر الذهبي للسجائر. ففي عام 1950، كان حوالي نصف سكان البلدان الصناعية مدخنين، على الرغم من أن هذا الرقم يخفي حقيقة أنه في بلدان مثل المملكة المتحدة كان ما يصل إلى 80 في المئة من الرجال البالغين مدخنين منتظمين. وكان التدخين شكلاً مقبولاً من السلوك الاجتماعي في جميع مجالات الحياة.. في العمل، وفي المنزل، وفي الحانات، وفي السينما.
ولم يكن نجاح السيجارة يرجع فقط إلى استراتيجيات الأعمال التي تتبعها الشركات الكبيرة، بل أيضًا إلى التبني السريع من قبل المراهقين وهو الوضع الذي أدى إلى احتجاجات عامة، وإلى إحياء الحركات المناهضة للتبغ في فرنسا وأستراليا وبريطانيا وكندا والولايات المتحدة.
وفي السنوات الأخيرة انتشرت السجائر الإلكترونية والتي اعتبرت وسيلة للإقلاع عن التدخين ووصل الأمر إلى حد تبني الحكومة البريطانية لها كوسيلة للتوقف عن هذه العادة، وزاد من شعبيتها ألوانها الزاهية ونكهاتها المثيرة من الحلوى إلى التوت الأزرق.
كما أن هنالك قلق متزايد من أن الشباب يتوجهون إلى السجائر الإلكترونية لأنهم يرون أنها خالية تماما من المخاطر.
وكانت تلك السجائر جزءا كبيرا من خطة الحكومة في إنجلترا لمساعدة 6 ملايين مدخن في بريطانيا على الإقلاع عن التدخين بشكله التقليدي بحلول عام 2030.
ولكن تراجعت الحكومة البريطانية عن هذه الخطة وأعلنت في يناير/ كانون الأول الماضي أنها ستحظر السجائر الإلكترونية التي تُستخدم لمرة واحدة، ويندرج الحظر في إطار خطة أوسع لمكافحة التدخين أعلنها رئيس الوزراء ريشي سوناك في الخريف الماضي.
وبحسب أرقام رسمية، فإنه من بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاما الذين يستخدمون السجائر الإلكترونية، زادت نسبة أولئك الذين يستهلكون السجائر الإلكترونية التي تُستخدم لمرة واحدة بواقع 9 أضعاف خلال عامين.
وقالت وزيرة الصحة البريطانية فيكتوريا أتكينز لـ “بي بي سي” حينئذ إن الحكومة “تريد مساعدة الأطفال على تجنب الانجذاب الكارثي إلى إدمان النيكوتين، والذي غالبا ما يكون تدخين السجائر الإلكترونية بوابة إليه”.
مكافحة التدخين
واجه تدخين التبغ معارضة عبر التاريخ فقد وصف جيمس الأول، الذي حكم إنجلترا من عام 1603 إلى عام 1625، التدخين بأنه “عادة مقيتة للعين، ومكروهة للأنف، ومضرة للدماغ، وخطيرة على الرئتين”. كما أعلن السلطان العثماني مراد الرابع أن التدخين جريمة يعاقب عليها بالإعدام، وفي روسيا تم قطع أنوف أولئك الذين يُضبطون وهم يدخنون.
وتأسست الجمعية الأمريكية لمكافحة التبغ في عام 1849، وفي أواخر القرن التاسع عشر دعا الاتحاد النسائي المسيحي إلى حظر السجائر في الولايات المتحدة. وتبنت عدة ولايات مثل هذا الحظر، على الرغم من أنه ألغي بحلول أواخر عشرينيات القرن العشرين.
وقد أصدر العديد من الباباوات مرسوماً بابوياً يحرم أي شخص يستخدم التبغ في الكنيسة، وفي عام 1855، بدأت كنيسة السبتيين حملة لمكافحة التبغ، ووصفت استخدام التبغ بأنه “ممارسة قذرة ومدمرة للصحة ومهينة للرب”.
واكتسبت حركة مكافحة التدخين زخماً في منتصف القرن العشرين. وقد ندد الزعيم النازي أدولف هتلر بالتدخين، وتحت إشرافه بدأت ألمانيا بحثاً مهماً حول آثاره الصحية.
وفي عام 1962، أصدرت الكلية الملكية للأطباء في المملكة المتحدة تقريراً عن المخاطر الصحية للتدخين، وبعد عامين أصدرت اللجنة الاستشارية للجراحين العامين في الولايات المتحدة دراستها الخاصة بهذا الشأن.
وفي عام 1965، أصبحت الولايات المتحدة أول دولة تضع ملصقات تحذيرية على علب السجائر. وتبنت العديد من البلدان الأخرى هذه الممارسة، حيث أضاف بعضها صوراً لرئتين مريضتين أو صوراً بيانية أخرى. وشملت الجهود اللاحقة حظر التدخين في أماكن العمل وبعض الأماكن العامة وفرض قيود على الإعلان عن السجائر ورعايتها.
ومع ذلك، أنكرت شركات السجائر بشدة المخاطر الصحية المختلفة. وكثيراً ما قامت الشركات بتمويل الدراسات التي خلصت عادة إلى أن أي مخاطر صحية “غير مثبتة إحصائياً”. وكما أشارت إحدى شركات العلاقات العامة، كان الهدف هو “وقف الذعر العام”.
وساعدت الأدلة الأحدث، في النصف الثاني من القرن العشرين، الخاصة بالضرر الذي يلحق بغيرالمدخنين بسبب استنشاق الدخان، في تغيير المواقف ضد التدخين.
وكانت الجهود المبذولة للحد من حرية الفرد في التدخين في البداية أكثر وضوحاً في الولايات المتحدة، كما هو الحال مع حظر التدخين في كاليفورنيا عام 1995 في معظم أماكن العمل المغلقة، ولكن في عام 2004 أصبحت أيرلندا أول دولة تحظر التدخين في أماكن العمل المغلقة. ومنذ ذلك الحين حذت حذوها بلدان أخرى.
وكانت الشركات قد بدأت، في وقت مبكر من خمسينيات القرن الماضي، بمواجهة تحديات قانونية – وعلى الأخص في الولايات المتحدة – حيث بدأ الأفراد وأسرهم في رفع دعاوى المسؤولية.