هل سيغيّر النقاش حول الجندر مستقبل المنافسات الرياضية؟

فتحت الألعاب الأولمبية الأخيرة في باريس الباب على مصراعيه حول قضية الجندر وتأثيرها في المنافسات الرياضية، خاصة بعد الجدل حول الملاكمة الجزائرية إيمان خليف وزميلتها التايوانية لين يو تانغ، وإمكانية تمتعهما بسمات بيولوجية معينة تمنحهما أفضلية على الرياضيات الأخريات.

يمكن القول إن إشكالية ضمان منافسة عادلة في الرياضة مع احترام الاختلاف البيولوجي والجندري هي من أكبر التحديات التي تواجه المسابقات الرياضية حالياً، وستلعب دوراً حاسماً في تحديد مستقبلها. تجد اللجان المنظمة للرياضات نفسها أمام معضلة التوفيق بين حق الجميع في المنافسة وضمان منافسة عادلة قدر الإمكان.

ولفهم أبعاد هذه الإشكالية وتاريخها، استشرنا ثلاثة أطباء وباحثين متخصصين في الجندر والرياضة، ولديهم دراسات منشورة في هذا المجال.

مع تطور العلم والاختبارات الطبية، ظهر أن هناك لاعبات في فئة الإناث يتمتعن بأفضلية بيولوجية، مما أدى إلى الجدل الذي نشهده اليوم. كيف حدث ذلك؟

كما ذكرنا أعلاه، لدى النساء كروموسومان من نوع إكس (XX)، بينما لدى الرجال كروموسوم إكس واحد وآخر واي (XY). وتقول الدكتورة هيلتون إن العلماء في أوائل التسعينيات “بدأوا بإجراء الاختبارات لتحديد جنس اللاعبين، عن طريق أخذ عينة من الخد أو الدم، وتركز الاختبار في هذه المرحلة على البحث عن وجود كروموسوم Y بدلاً من X”.

وأضافت: “كان هذا الاختبار الجزيئي يهدف أيضاً إلى الكشف عن وجود بروتين المنطقة Y المحدّد للجنس الذكري (المعروف أيضاً بعامل تحديد الخصية)، وهو المسؤول عن بدء تطوّر الأعضاء التناسلية لدى الذكور”.

وأضافت أن “ذلك كان مهيناً، إذ كانت صور اللاعبات ونتائج الاختبارات تُنشر على المجلات”.

وأشار لاندبرغ إلى أن هذه الفحوصات أُجريت عدة مرات في الألعاب الأولمبية قبل اتخاذ قرار التوقّف عنها في أولمبياد أتلانتا بالولايات المتحدة عام 1996.

وأدركت اللجنة الأولمبية الدولية آنذاك وجود مشكلة أخلاقية في نشر هذه التفاصيل، مما يعرّض خصوصية اللاعبات للخطر.

لذا، لم ترغب في معالجة الأمر بحسب هيلتون، لأنها اعتقدت أن “هؤلاء اللاعبات، رغم امتلاكهن بعض الخصائص الذكورية، إلا أن ذلك لا يؤثر بشكل كبير في الرياضة”. وتعتقد الطبيبة والباحثة أن تكلفة هذا القرار كانت كبيرة على اللاعبات الأخريات.

وقالت هيلتون: “في الواقع، اكتشفت هؤلاء اللاعبات (اللواتي أظهرت نتائج فحوصهنّ نتائج غير اعتيادية) أنهنّ يعانين من حالة طبية لم يكنّ على علم بها، وهي لا تؤثر فقط على أدائهنّ الرياضي بل تتعلق أيضاً بصحتهنّ وخصوبتهنّ”.

وقال: “على سبيل المثال، يضع الاتحاد الدولي للسباحة (فينا) ضمن معايير الأهلية الحق في إجراء الفحص الجيني للجنس”.

وأضاف: “هناك اتحادات دولية أخرى تحتفظ بالحقّ نفسه ضمن معاييرها إذا اقتضت الحاجة، مثل اتحاد الملاكمة”.

ويرى لاندبرغ أن الاختلاف في قوانين الاتحادات المختلفة “ينبع أساساً من اختلاف في الفلسفات والأفكار، إذ يوازن كل اتحاد بين ضمان منافسة عادلة وآمنة لجميع اللاعبات وبين ضمان أن تكون البطولة شاملة لجميع اللاعبين على اختلافهم”.

كما أشارت إلى الصورة الشهيرة التي التقطت في أولمبياد ريو 2016، حيث كانت الرياضيات الثلاث الفائزات بميداليات في سباق 800 متر من النساء اللواتي ولدن مع اضطرابات في النموّ الجنسي.

وقالت إن “الرياضيات الثلاث، رغم أنهنّ يظهرن كنساء، وكان مظهرهنّ كذلك عند الولادة، وتثبت أوراقهن الثبوتية ذلك، إلا أنهنّ يعانين من حالة طبية تجعلهن رجالاً لم يكتمل نموهم كرجال، وهذا له أهمية في عالم الرياضة”.

وأكدت هيلتون: “علينا فهم أهمية البيولوجيا هنا لمعرفة كيفية تمثيل هؤلاء الرياضيات بشكل مناسب. أنا أتعاطف معهنّ كثيراً، لكنني لا أعتقد أنه من العدل أن يتنافسن ضمن فئة الإناث بينما يتمتعنّ ببيولوجيا ذكرية”.

ماذا بخصوص العابرات؟

إلى جانب الرياضيات اللواتي يثبت أنهنّ يعانين من الاضطرابات الجنسية، هناك معضلة أخرى تتعلق بالرياضيات العابرات.

تقول الدكتورة هيلتون إنّ تصنيف الرياضيين بين إناث وذكور، أصبح أكثر تعقيداً خلال السنوات الماضية، مع “تغير مفهوم الجندر وتمكن الأشخاص من تغيير هويتهم الجندرية على أوراقهم الرسمية لتتوافق مع ما يشعرون به تجاه هويتهم”، وذلك لأن “ما يشعرون به وهويتهم الجندرية الجديدة لا تتماشى مع البيولوجيا التي تعتمد عليها المسابقات الرياضية”.

تقول جوانا هاربر، الباحثة العابرة جنسياً والمتخصصة في الأداء الرياضي للعابرين جنسياً، والحاصلة على شهادة الدكتوراه من جامعة لوبورو في إنجلترا، والتي تجري أبحاث ما بعد الدكتوراه في جامعة أوريغون للصحة والعلوم في الولايات المتحدة، لبي بي سي: “أي شخص يمرّ بمرحلة البلوغ التي يغذّيها هرمون التستوستيرون يكتسب مزايا فيزيولوجية كبيرة”. وتشمل هذه المزايا “القوة والطول ونسبة الهيموغلوبين (مهم لرياضات التحمّل)، إلى جانب سماكة العظام وسرعة الجري”.

وتضيف: “النساء العابرات اللواتي لم يخضن مرحلة العلاج الهرموني قبل البلوغ، تماماً مثل النساء اللواتي لديهنّ حالات محددة من اضطرابات النموّ الجنسي، سيختبرن مثل هذا البلوغ (الخاص بالذكور)”، وبالتالي سيتمتعنّ بهذه الأفضلية.

ورغم الخضوع لعلاج هرموني خلال مرحلة العبور الجنسي، تقول هيلتون إنّ الأفضلية تبقى موجودة، لأن “الأداء الرياضي يأتي من عدة عوامل في الجسم ولا يمكن عكس ذلك تماماَ بالعلاج الهرموني؛ سيبقى هناك آثار تحتم وجود نوع من الأفضلية”.

ويشير إلى أن هذه الأفضلية للرجال على النساء تتراوح عند حد 10 بالمئة في السباحة على سبيل المثال، وترتفع في رياضات أخرى إلى 40-50 بالمئة في رياضات القوة مثل رفع الأثقال.

ويختلف رأي هاربر قليلاً عن زميليها، إذ تشير إلى أن “العلاج الهرموني المثبط لهرمون التستوستيرون يعكس بنسبة 100 بالمئة المزايا المتعلقة بالدم لدى النساء العابرات، أي تركيزات الهيموغلوبين”. وتضيف أن ذلك ينعكس جزئياً على مزايا مثل القوة، إلا أنه لن يكون له تأثير على الطول على سبيل المثال.

ومع ذلك، تقول هاربر إنّ العلاج الهرموني يخفض من القوة الفيزيولوجية العامة لدى العابرات، وكذلك من قدرة القلب والأوعية الدموية.

وتضيف أن ذلك يمكن أن يتسبب “بعوائق للنساء العابرات مقارنةً مع النساء اللواتي وُلدن إناثاً (وليس لديهن اضطرابات نموّ جنسي) مثل انخفاض مستويات السرعة والتحمّل والتعافي”، وبذلك لا يعود هناك لدى هؤلاء اللاعبات المحرّك الداخلي الكافي لاستخدام مزاياهنّ الجسديّة الأخرى.

وتؤكد لبي بي سي: “لا يزال هناك الكثير من الأبحاث التي يجب القيام بها” للبتّ في هذه التفاصيل.

من جهتها، ورداً على الباحثين الذين يقولون إن العابرات يخسرن هذه الأفضلية بعد العلاج الهرموني، تقول هيلتون: “إنهم يحاولون تحديد الرياضات التي لا تستند المنافسة فيها على عناصر تُعطي أفضلية للذكور على الإناث، وهذه طريقة تفكير سليمة ومعقولة، إلا أنني لا أعتقد أنهم سيجدون رياضة يمكنهم فيها تطبيق هذه النظرية”.

وتضيف: “المشكلة هي أنه لا يوجد نوع من الرياضة يعتمد فقط على وحدة قياس واحدة لتحقيق الفوز أو الأفضلية. فالرياضة ليست مجرد حركة، بل هي مزيج من حركات وأنظمة متعددة في الجسم”.

من جانبه، يقول لاندبرغ: “ما اكتشفناه في عشرات الدراسات التي تابعت نساء عابرات لا يتدربن عبر السنوات، وقياس الوحدات المهمة للرياضة، مثل حجم الكتلة العضلية والقوة، يشير إلى أن تأثير العلاج الهرموني قليل جداً، وهذا يعني أنهنّ يحتفظن بأفضلية على من وُلدن إناثاً (وبدون اضطرابات في النموّ الجنسي)”.

ويحسم رأيه قائلاً: “في رأيي، ليس هناك أي بيانات علمية تشير إلى عدم وجود تفوق وأفضلية للعابرين جنسياً على النساء اللواتي وُلدن إناثاً بيولوجياً”.

أما بالنسبة للنساء اللواتي ثبت أنهنّ يعانين من أنواع معينة من اضطرابات النموّ الجنسي، فتطلب بعض اللجان المنظمة للرياضات، كالاتحاد الدولي لألعاب القوى على سبيل المثال، أن يتلقين العلاج اللازم لخفض مستوى التستوستيرون لديهن إلى المستوى “الطبيعي” للنساء، قبل السماح لهنّ بالمشاركة.

 

المصدر: BBC
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments