يجتاح الذكاء الاصطناعي بتقنياته الجديدة المتطورة العالم، ويدخل اليوم في العديد من المجالات الطبية والتربوية والاقتصادية والأمنية والإعلامية، فيما رجح البعض أن يكون العامل الأساسي في بعض المهن والأعمال، وقد يلغي كثيراً منها في بعض المؤسسات مستقبلاً ويقوم بدور الموظف على النحو الأفضل.
وفيما يرجح أكاديميون ومتخصصون إمكانية اقتحام الذكاء الاصطناعي قاعات الدرس في الجامعة أو فصول المدارس، أجرت بعض المدارس الحكومية في الكويت، في محاولات فردية محدودة، تجاربها في شأن هذه التقنية، من خلال استخدام الروبوت في شرح الدروس، وفي الفصل الذكي (السبورة الذكية) وفي حل التدريبات والأسئلة.
وعلى الرغم من عدم كونه تفاعلياً مع الطلبة، إلا أن البعض رأى إمكانية أن يقوم الروبوت بدور المعلم، فهل يمكن الاستغناء حقاً عن هذه المهنة؟ وهل تُغيّر تقنيات الذكاء الاصطناعي طرق التدريس في العالم؟
«قد يصبح الروبوت أساسياً في المحاضرات»
خالد الرشيد: سيُخرجنا من النظام الحالي إلى آخر مختلف
قال وكيل وزارة التربية الأسبق للتخطيط والمعلومات الدكتور خالد الرشيد، لـ«الراي» إن «الإجابة عن سؤال اقتحام الذكاء الاصطناعي لمجال التعليم، تتوقف على أمور عدة منها المنهج العلمي أو الأدبي والمرحلة العمرية للطلبة وعوامل أخرى مساعدة»، مبيناً أنه «يمكن الاستعانة بدكتور روبوت في الجامعات يقوم بشرح المحاضرات للطلبة في التخصصات الهندسية مثلاً، لكن في المجالات الأدبية الروبوت يحتاج إلى تفاعل ومناقشات قد يصعب تحقيقها».
ورجح الرشيد أن «يتحقق ذلك على المدى البعيد، حيث يحاضر الروبوت بناء على المعطيات الموجودة في الصف الصناعي، وأن يكون تفاعلياً مدرباً على طريقة السؤال والمنهج»، متوقعاً أن يكون المحور الأساسي في العملية التعليمية مستقبلاً، ويكون الدكتور أو عضو الهيئة التدريسية مساعداً له.
وعن قدرة هذه التقنية على تقديم بحوث تربوية لا نظير لها في أي من التطبيقات، قال الرشيد «أعتقد أنه سوف يفرض على العالم كله تغيير نمط التعليم والتعلم، وعملية إعداد البحوث التربوية، وسوف يخرجنا من بوتقة النظام الحالي للتدريس إلى نظام آخر مختلف».
«يحتاج إلى بيانات ومدخلات يأخذها من العنصر البشري»
قصي الشطي: ليس مفتاحاً سحرياً… لكن قد يُساعد المعلم
دعا المدير الأسبق للجهاز المركزي لتكنولوجيا المعلومات قصي الشطي، إلى عدم المبالغة في تضخيم الذكاء الإصطناعي، مؤكداً أنه «ليس مفتاحاً سحرياً، لكنه تقنية تعتمد على فهم الخوارزمية بشكل صحيح، ويحتاج إلى بيانات ومدخلات يأخذها من العنصر البشري».
وأوضح الشطي لـ«الراي» أنه «من الصعب استخدام تقنية الـAI في إعداد البحوث. فعلى سبيل المثال لو نطلب بحثاً عن تاريخ كرة القدم فلن يعطينا الإجابة بشكل دقيق ومفصل، إذ عندما تكون لدينا قضية أو موضوع بناء على مواضيع فرعية معينة، لن يستطيع أن يعرفها بشكل دقيق ما لم يقدم العنصر البشري مدخلات إليها».
واختصر الشطي تضخيم هذه التقنية بقوله «في أي موضوع يطلب منه، يتوقف على فهم الطالب للخوارزمية بشكل صحيح، ويجب أن يعرف الموضوع. وهذه الخوارزمية يجب أن ترتب حتى يتم تقديم البيانات والمدخلات الصحيحة إليها، ويجب أن تكون صحيحة 100 في المئة».
واستبعد أن «يحل الذكاء الاصطناعي بتطبيقاته كبديل للمعلم في الفصل الدراسي، لكن من الممكن أن يكون أداة مساعدة له وفعالة في العملية التعليمية ككل، سواء في توفير المعلومات أو في زيادة التحصيل الدراسي لدى الطلبة»، نافياً قدرة الروبوت على أن يكون بديلاً للبشر.
وعن الاستغناء عن بعض المهن واستخدام الروبوت بدلاً منها، ذكر الشطي أنه «يمكن ذلك في بعض المهن التقليدية ذات الأعمال الروتينية المباشرة، لكن في كثير من المهن والأعمال الأخرى يحتاج إلى تدريب حتى يكون أكثر دقة. وحين نذهب إلى مواقع الانترنت نجد في المحادثة من يسألنا عن الخدمة المطلوبة، وكيف يرشدنا إليها وهذا هو (روبوت آلي) بني على خوارزمية معينة قادرة على التعامل مع الآخرين بشكل محدد».
وفي العملية التعليمية، أكد الشطي «أننا بحاجة إلى المعلم دائماً، لكن يمكن توظيف هذه التقنية في تقديم المعلومات ومواءمة التحصيل الدراسي والتعرف على طبيعة كل طالب داخل الفصل، لأننا لدينا طلاب متباينون في المستوى. وتقنية الـAI ستقلل من العائق الذي يواجهه المعلم في كيفية تقديم المعلومة لكل طالب، وفقاً لمستواه وفروقه الفردية أي استخدام الأداة في تحسين المخرج».
«يقيّم الطالب بشكل صحيح وحقيقي ويرصد جوانب الضعف»
أحمد الحنيان: يملك ما لا يملكه المعلم… ويتعرّف على الفروق بين الطلبة ويتعامل معها
وضع عميد كلية الدراسات التجارية في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب الدكتور أحمد الحنيان، النقاط على الحروف في موضوع الذكاء الاصطناعي، مؤكداً أنه «قادم بقوة شئنا أم أبينا، ويجب التعامل مع هذه التقنية بجدية للاستفادة التامة، ويجب ألا نغلق القنوات أمامه ونقول إنه عامل خطر، بل هي تقنية جاءت لتسهل مهام الإنسان وتكون إضافة للبشرية».
وبشأن العملية التعليمية، قال الحنيان لـ«الراي» إن «جميع الدراسات والبحوث، أكدت أن له دوراً محورياً في مساعدة الطلبة على التعلم، وقد يكون بديلاً ناجحاً للمعلم في بعض الأحيان، وخصوصاً في عملية التعلم الذاتي».
وذكر أن «الذكاء الاصطناعي يتميز بميزات لا يمتلكها المعلم، أهمها أنه يتعرف على قدرات كل طالب على حدة، ويبدأ عملية التعلم معهم وفق إمكاناتهم. فلو لدينا 5 طلبة، بمجرد طرح الأسئلة على كل طالب على حدة، يحدد الذكاء الاصطناعي قدرة كل طالب، ويرصد جوانب الضعف والقوة لديه، حيث يقدم تحليلاً بيانياً دقيقاً، إضافة إلى أنه يقيم مستوى الطالب بشكل حقيقي، وبناء على هذا التقييم قد يمنحه الشهادة أو أن يبدأ معه من جديد».
وذكر الحنيان أن «الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على التفاعل بشكل أكبر من الانسان، ويتعامل مع البشر بشكل لطيف. وللمعلم دور كبير في العملية التعليمية، لكن يمكن أن يكون الروبوت مسانداً له».
وعن حقيقة الاستغناء عن بعض المهن، قال الحنيان «بالطبع ستختفي بعض المهن خلال العقود المقبلة، حيث نشهد اختفاء بعض المهن حالياً، (موظف مكتب الساحة، المصور، موظف التسويق، المحاسب). فالذكاء الاصطناعي ربما يكون عاملاً سلبياً على بعض الناس، لكن الأمور ستتغير وهذا يدفعنا إلى الابتعاد عن التعليم التقليدي، والتوجه نحو التعليم الإبداعي لخلق فرص عمل ووظائف جديدة».
نوف الهاجري عن تجربتها: روبوت شرَحَ الدروس… لكنه ليس تفاعلياً
نقلت معلمة الحاسوب في ثانوية الرابية بنات نوف صويان الهاجري، تجربتها لـ«الراي» في استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، حيث استخدمت الروبوت بشكل مصغر في الفصل الذكي، وكان يشرح الدروس على السبورة الذكية بشكل ممتاز، ويقوم بدور المعلم لكنه ليس تفاعلياً مع الطلبة.
وكشفت الهاجري أن «بعض المدارس استخدمته بشكل أكبر في شرح الدروس. ويمكن تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي للتعلم والتكيف مع المواقف الجديدة، ما يجعلها مثالية لحل المشكلات المعقدة التي تتطلب ذكاء شبيهاً بالانسان».
وقالت إن «الذكاء الاصطناعي ساهم في تحول مختلف الصناعات، بما في ذلك التعليم، حيث يتم استخدامه لتعزيز خبرات التدريس والتعلم»، مشيرة إلى أنه «يحتوي على مكونين رئيسيين هما التعلم الآلي ومعالجة اللغة الطبيعية. فالتعلم الآلي هو عملية تعليم آلات التعلم من البيانات وتحسين أدائها من دون أن تتم برمجتها بشكل صريح. ومعالجة اللغة الطبيعية هي قدرة الآلات على فهم وتفسير وتوليد لغة بشرية».
تضمين تطبيقاته في مناهج الثانوية
«التربية» تقترح إدخال الذكاء الاصطناعي في المناهج
أشار تقرير تربوي إلى توجه التوجيه العام للحاسوب إلى إدخال تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مناهج المرحلة الثانوية، حيث يعد الذكاء الاصطناعي أداة قوية لديها القدرة على تحويل التعليم إلى حالة إنشاء تجارب تعليمية مخصصة وجذابة للطلبة، بما في ذلك التدريس والتقييم والإرشاد وتطوير المناهج الدراسية.
وأوضح التقرير، الذي حصلت «الراي» على نسخة منه، أنه مع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، من المرجح أن يلعب دوراً مهماً في التعليم، ما يساعد على إنشاء نظام تعليمي أكثر فعالية وكفاءة. وذكر أنه يتم استخدام الذكاء الاصطناعي لتخصيص التعلم وتحسين نتائج الطلبة، واستخدام خوارزميات التعلم الآلي لتقييم أداء الطلبة وتقديم الملاحظات، ما يجعلها أكثر دقة وموضوعية، ويتم أيضاً استخدام روبوتات الدردشة التعليمية التي تدعم الذكاء الاصطناعي لتزويد الطلبة بالدعم والتوجيه الشخصي. وتستخدم روبوتات المحادثة هذه معالجة اللغة الطبيعية لفهم استفسارات الطلبة والرد عليها، ما يسهل عليهم الوصول إلى المعلومات.