ينتظر كثيرون بداية فصل الصيف للنزول إلى الشاطئ، لممارسة هواية السباحة أو هوايات مائية أخرى، أو بهدف تسمير أجسامهم بأشعة الشمس الحارقة.
وتنتج عملية التسمير عن إفراز الجلد لمادة الميلانين التي تعطيه اللون البني. ولكن ما لا يعرفه كثيرون هو أن الجلد يُسمِّر لونه لهدف وحيد، وهو حماية خلاياه من التلف.
التسمير ليس إلا تقنية دفاعية
وفي إحصائيات قد تفاجئ كثيرين، فإنّ نسبة حالات سرطان الجلد الناتجة عن استخدام أسرة التسمير الاصطناعي، تفوق نسبة حالات سرطان الرئة بسبب التدخين، بحسب .
وبحسب جمعية سرطان الجلد الأمريكية، يبدأ تلف الجلد مع أول تسمير نتعرّض له. وتضيف: “في كل مرة تسمرّ فيها، يتراكم الضرر، مما يؤدي إلى المزيد من الطفرات الجينية في الجلد وزيادة المخاطر”.
ولذلك، تقول إنه من المهم جداً “أن نبدأ بحماية الأطفال من أشعة الشمس وأن نتأكد من عدم تعرضهم لأي حروق منذ سنّ صغيرة”.
وتفسر: “أهم ما يجب مراعاته في عملية التسمير، ألا نصل إلى مرحلة الحرق، لأن الحرق تلف يصيب الحمض النووي الخاص بالخلايا الجلدية، والضرر الناتج عن ذلك يبقى صامتاً وخفياً لسنوات طويلة، إلى أن يأتي اليوم الذي تبدأ فيه العوارض بالظهور، كسرطانات جلدية أو كآفات سابقة للسرطان”.
وتقول رمضان إنه لا يجب تعريض أي طفل للشمس قبل بلوغه الستة أشهر من عمره، ومن بعدها، من الضروري حمايته باستخدام واقي شمس يعرف بـ”حاجز للشمس”، وهو واقي الشمس المعدني.
وتُظهر الأبحاث أن الأمر يتطلّب حرق شمس واحد فقط خلال مرحلة الطفولة أو المراهقة، لمضاعفة خطر إصابة الشخص بسرطان الخلايا الصبغية (الميلانوما)، وهو أخطر أشكال سرطان الجلد، لأنه قاتل، في وقت لاحق من حياته، بحسب الأكاديمية الأمريكية للأمراض الجلدية.
وتمثّل الإصابات بالميلانوما 1 بالمئة من نسبة سرطانات الجلد، ولكنها تتسبّب بنحو 75 بالمئة من الوفيات الناتجة عن أنواع سرطان الجلد كافة.
البيض أو السمر أكثر عرضة للخطر؟
تؤكد الطبيبة نعمت رمضان أن “كلّ أنواع وألوان البشرة معرضة للمخاطر نفسها في ما يتعلق بأشعة الشمس والتسمير.”
وتقول إن “أصحاب البشرة السمراء يتمتعون بشيء من الحماية الإضافية من الحروق، لأن نسبة الميلانين في جلودهم أعلى مقارنة مع أصحاب البشرة الفاتحة، إلا أنّ ذلك غير كافٍ أبداً لحمايتهم من المخاطر الأساسية وسرطانات الجلد، لا بل إن سرطانات الجلد قد تكون أكثر عدوانية في البشرة السمراء”.
وتنفي الطبيبة الفكرة الشائعة عن كون التسمير التدريجي، سواء عبر أشعة الشمس، أو التسمير الاصطناعي، أقل خطورة. وتضيف: “سواء بالتدريج أو غير ذلك، التعرض للشمس والتسمير، طبيعياً أو اصطناعياً، أمر مضرّ جداً”.
وتتابع: “التسمير الاصطناعي يؤدي إلى خطر الإصابة بسرطان الجلد خلال مرحلة لاحقة من الحياة، بنسبة 60 في المئة”.
تخبرنا الطبيبة نعمت رمضان أن أطباء الجلد لا ينصحون سوى بعض الأشخاص بالتعرّض للشمس بدون استخدام واقٍ، ولمدة 10 دقائق فقط يومياً، وهم مرضى الصدفية ومرضى البهاق. أما الباقون، فعليهم “عدم التعرّض لأشعة الشمس من دون حماية”.
وبحسب الأكاديمية الأمريكية للأمراض الجلدية، يمكن أن يزيد التسمير الاصطناعي من خطر الإصابة بالنوعين الأكثر شيوعاً من سرطان الجلد، سرطان الخلايا الحرشفية بنسبة 58 بالمئة، وسرطان الخلايا القاعدية بنسبة 24 بالمئة.
ويمكن أن يؤدي استخدام أسرة التسمير قبل سن العشرين، إلى زيادة فرص الإصابة بسرطان الخلايا الصبغية (الميلانوما) بنسبة 47 بالمئة، ويزداد هذا الخطر مع كل استخدام.
وتشير الأدلة إلى أن التسمير قد يسبب الإدمان. وذلك لأن بعض الناس “يجدون صعوبة في التوقف عن التسمير. وعندما لا يحصلون على جرعة ثابتة من الأشعة فوق البنفسجية، يشعرون بالتململ أو الاكتئاب”، بحسب الأكاديمية الأمريكية للأمراض الجلدية.
العيون أيضاً
لا تقتصر أضرار الشمس والتسمير الطبيعي أو الاصطناعي على التسبب بتلف في الجلد وحسب، بل يمكن أيضاً أن تسبب بإصابات في العين، وأن تضرّ بالجهاز المناعي.
وقد يتسبب التسمير، بحسب إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، بالتهاب القرنية الضوئي، وهو بمثابة حروق شمس تصب قرنية العين عند التعرّض المكثف للأشعة ما فوق البنفسجية من نوع “ب” و”سي”.
ويُطلق على التهاب القرنية الضوئي أيضاً اسم “العمى الثلجي” لأن العديد من الأشخاص يصابون بهذه الحالة في المرتفعات الثلجية، حيث تكون انعكاسات الأشعة ما فوق البنفسجية عالية.
أما الحالة الأكثر صعوبة الناتجة عن التسمير، فهي تلف العين، أو إعتام عدسة العين، أي تغيّم العدسة الطبيعية للعين مما يؤدّي إلى تشوش الرؤية واحتمال العمى.
وفي تأثيرات أخرى، يمكن أن يسبّب التعرّض المفرط للشمس بحسب منظمة الصحة العالمية إلى كبت المناعة. وتقول الإدارة الصحية الأمريكية، إن التعرض المفرط للأشعة ما فوق البنفسجية قد يؤدي إلى تثبيط الأداء السليم لجهاز المناعة في الجسم ودفاعات الجلد الطبيعية، مما يزيد من الحساسية لأشعة الشمس، أو يقلل من آثار التحصينات، أو يسبب ردود فعل تجاه بعض الأدوية.
وبالنسبة للأشخاص المصابين بعدوى فيروس الهربس البسيط، يمكن أن يؤدي التعرض لأشعة الشمس إلى إضعاف جهاز المناعة وبالتالي إعادة تنشيط العدوى وتكرار ظهور القروح الباردة.
الطريقة الآمنة الوحيدة
وتقول الدكتورة نعمت رمضان إنّ كريمات أو بخاخات التسمير الذاتي فعالة وآمنة وغير مضرة ويمكن استخدامها.
إلا أنها تنصح من يقومون بجلسات إزالة الشعر باللايزر بالانتباه، إذ يمكن للايزر أن يحرق جلدهم في طريقه في حرق الشعر، وذلك لأن اللايزر يعمل عن طريق “قراءة واستهداف كل ما هو أسمر”.
وغالباً ما يستخدم ثنائي هيدروكسي الأسيتون في تلك المستحضرات، ويعمل عبر التفاعل مع خلايا الجلد في الطبقة الخارجية للبشرة للتسبب بلون أغمق. ولأن خلايا الجلد الميتة طبيعياً تتساقط على مدار بضعة أيام، فإن اللون يتلاشى تدريجياً.
وتصنف إدارة الغذاء والدواء الأمريكية مستحضرات التسمير الذاتي التي تحتوي على ثنائي هيدروكسي الأسيتون على أنها “آمنة للاستخدام”، إلا أنها تشدد بأن المادة معتمدة للاستخدام الخارجي فقط. ولا ينبغي استنشاقها أو استخدامها على الفم أو العينين أو الأنف. وأنه يجب على الأشخاص الذين يختارون استخدام رذاذ مسمّر التأكد من حماية هذه المناطق.
وكانت آثار هذه المادة على الجلد قد اكتشفت عن طريق الخطأ في خمسينيات القرن الماضي، بعد أن لاحظت إيفا فيتغنشتاين، الباحثة في مستشفى سينسيناتي في الولايات المتحدة، والتي كانت تعالج الأطفال الذين يعانون من اضطراب أيضي نادر، أنه عندما يتناثر الدواء الذي كانت تستخدمه، فإنه يلطخ أجساد المرضى ولكن ليس ملابسهم.
وأشارت صحيفة “نيويورك تايمز”، أن فيتغنشتاين دهنت بشرتها بالمحلول بعد ذلك من باب الفضول، وبات ثنائي هيدروكسي الأسيتون يستخدم منذ ذلك الحين لتسمير لون البشرة لبضعة أيام.