تحدث د. هشام القاضي في ندوة «محمد الشارخ… صخر التقنية العربي» عن إنجازاته قائلاً: «إن إنجازات محمد الشارخ، رغم رحيله، حية بيننا، تتطور بحركة الزمن والآلات، فقد أشاع الفرح في دنيا العرب نتيجة إسهاماته التقنية وموسوعاته الضخمة، ومنها تطوير برنامج القرآن الكريم، ونسخة مخصصة للحاسوب من كتب الأحاديث التسعة الرئيسية باللغة الإنكليزية، وكذلك أرشيف المعارف الإسلامية، إلى جانب قائمة ضخمة من البرامج التعليمية والألعاب الترفيهية للشباب، مع تأسيس معاهد تعليم برمجة الحاسب، والترجمة من العربية وإليها، وترجمة التخاطب الآلي، وتطوير برامج تعليمية وتثقيفية عديدة، وتعليم البرمجة، ونشر كتب تعليم الحاسوب وتدريب المدرسين».
وأضاف القاضي أن الشارخ قدم أيضاً برنامج التعرف الضوئي على الحروف العربية، كما كان له الفضل في تأسيس شركة صخر لبرامج الحاسب الآلي عام 1982، وهو أول من أدخل اللغة العربية للحواسيب، مسخّراً هذه البرامج والتقنيات لخدمة اللغة العربية في وقت كانت تحتاجه بشدة، وكان أيضا كاتباً وروائياً ومثقفاً وصاحب ديوان ثقافي ومهتماً بالشعر والفنون، وقد أهدى إلى المثقفين موسوعة ثقافية هي أرشيف المجلات الثقافية والأدبية الذي يمثل ذاكرة للثقافة العربية، ويشتمل على المجلات التي صدرت منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى 2010، ويحوي نسخاً من أمهات المجلات الأدبية والثقافية العربية القديمة والحديثة، والتي تم تحميلها على شبكة الإنترنت بهدف الحفاظ عليها كتراث، وأن تصبح في متناول الباحثين والمثقفين العرب.
عطاء تاريخي
وأشار القاضي إلى أن الشارخ حظي باحتفاء عربي وعالمي يليق به في حياته، تقديراً لجهوده غير المسبوقة، وكان آخر هذه التقديرات جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 2021، مضيفاً أن بو فهد كويتي الجنسية سعودي الأصل، حيث نشأت عائلته في المملكة العربية السعودية، قبل أن تغادر إلى الكويت قبل 70 عاماً، وخلال مسيرته الطويلة قدم عطاءات لا يمحوها التاريخ.
وألقى كلمة المنظمين رئيس مجلس أمناء مركز عبدالله بن إدريس الثقافي د. زياد الدريس، الذي تحدث قائلاً: «إن الشارخ رمز لم يترك صخرة واحدة دون أن يحطمها في مجال التقنية واللغة العربية والتراث الثقافي والديني، ولذلك فإن تأبينه اليوم هو امتداد لأثره علينا وتذكير وتعليم لنا بحجم التطور الذي أفاد به اللغة العربية، والذي كان يعد خارقاً في حينها، فضلاً عن تحطيم الصخرة المزيفة بأن اللغة العربية لا تستطيع أن تستوعب كل المستجدات التقنية والذكاء الاصطناعي والكمبيوتر، ولذلك فقد مهد الطريق أمامنا الآن وخلال السنوات المقبلة حين رسّخ لقدرات اللغة العربية على استيعاب ومواكبة التطور».
سيرة طيبة
وفي كلمته ممثلاً عن مركز حمد الجاسر الثقافي قال معن الجاسر: «تشرفت بدعوتي لعضوية مجلس أمناء مركز عبدالله بن إدريس الثقافي، وهي باكورة العمل المشترك بيننا، وجاء ذلك من خلال تلاقي جهود المركزين في إقامة ندوة الشارخ الذي منذ وفاته انهالت عبارات الثناء والمدح لسيرته الطيبة، لما تتميز به هذه القامة العربية الكبيرة من مكانة تحتاج إلى تضافر كل الجهود لتكريمها والاحتفاء بها».
وتحدث في الندوة الأمين العام لجائزة الملك فيصل د. عبدالعزيز السبيل قائلاً: «انعكست دراسة الاقتصاد في القاهرة وأميركا على التجربة العملية للشارخ ليعمل نائباً لمدير الصندوق الكويتي للتنمية، وعضواً في مجلس إدارة البنك الدولي بواشنطن، وكان لهذه التجربة تأثيرها على الشارخ في اطلاعه على الحظ المتواضع للدول النامية، ما خلق لديه الشغف بالتطوير والتنمية لمجتمعاته العربية، فكان مسكوناً بهموم أمته، متطلعاً إلى مستقبل أفضل وحاضر مشرق بالاستفادة من تقنيات العصر الحديث، هو رجل حمل رسالة سامية، وكان شغوفاً بالاهتمام بكنوز الثقافة العربية ونقلها إلى العالمية والعصرية، لتصبح مشعة بالعلم والمعرفة ومتاحة للجميع حول العالم زمانياً ومكانياً».
مشروع وطني
وأضاف السبيل: «استطاع الشارخ أن يحظى بدعم كبير لمشروعه الوطني من خلال صب اهتمامه على القرآن الكريم والسنة النبوية ولغتهما العربية، ومن خلال كمبيوتر صخر، دخل الشارخ التاريخ لكونه أول من أدخل اللغة العربية إلى عالم التقنية من أوسع الأبواب، بعدما جزم الكثيرون بصعوبة ذلك، ولم يقف الشارخ عند حد العمل التجاري المتمثل في بيع الأجهزة والبرامج العربية في شتى العلوم، بل حمل على عاتقه مسؤولية تدريب أعداد هائلة من المتعلمين في معاهد حاسوبية لمواكبة العصر التقني، كما تبنى وساهم في مشروعات قومية عدة، منها مشروع كتاب في جريدة عبر منظمة اليونسكو، والمنظمة العربية للترجمة، كما كتب القصة القصيرة وأصدر 3 مجموعات قصصية، لأنه كان منتجاً أدبياً ومحباً للشعر يتحدث به في مجالسه ما يعكس ثقافة أدبية رفيعة».
تجربة شمولية
من جانبه، تحدث الرئيس التنفيذي لشركة أوقاف سليمان الراجحي القابضة سابقاً د.م. زياد الحقيل قائلاً: «إن ما يميز الشارخ عبر مسيرته وتجربته الرائدة هي الشمولية، لأنه لم يقدم فقط منتجات تقنية بل مشروعات ومبادرات لخدمة اللغة العربية والدين الإسلامي، ولذلك فقد تعرض الشارخ لضغوط شديدة بسبب همومه الوطنية، ورغبته في نقل تلك الثقافة الغربية والعالمية للوطن العربي، وسط ما يضعونه من قيود لضمان وحماية الحقوق الفكرية، ما وضعه في منافسة شرسة مع شركة مايكروسوفت التي تبنت أسلوب الإقصاء ضد كل منافسيها العرب وغيرهم لضمان الاستحواذ والاحتكار للسوق».
وأكد الحقيل أن الشارخ قدم مشروعاً تنموياً حضارياً، من خلال استخدام التقنيات في ربط الأجيال المختلفة بثقافتهم العربية وهويتهم الإسلامية، ولذلك فقد كانت جهوده انطلاقاً من اللغة العربية كركيزة أساسية وانطلق منها إلى الثقافة، في وقت واجه أبناؤنا تحديات كبيرة في استخدام لغتهم الأم وطمس هويتهم في عصر الثروة المعلوماتية والسماوات المفتوحة، وهي مشكلة تصدى لها الشارخ منذ بدايات مشروعه القومي بوضع طرق سهلة ومحببة للتعامل مع اللغة العربية، ويجب علينا أن نواصل مسيرته من خلال استمرار تعزيز ودعم تقنيات اللغة العربية، لضمان مزيد من الانتشار والثبات بين الأجيال الجديدة سواء العرب أو غير الناطقين بالعربية والراغبين في تعلمها والتعرف على لغة القرآن الكريم».
وذكر الكاتب والباحث أستاذ علوم الحاسب د. عبدالقادر الفنتوخ: «عملت مع الشارخ من عام 1996 حتى 1998 في القاهرة والرياض، وهي فترة عظيمة تعلمت فيها عن قرب كيف يعمل الإنسان لخدمة وطنه ودينه وتراثه بشغف كبير، في مواجهة التحديات العالمية وكبرى الشركات، لتحقق شركة صخر إنجازات كبيرة، منذ بدء صناعة الحاسوب، بعمل تحالفات مع شركات يابانية، لتقديم برامج عربية ترفيهية وتعليمية أبهجت الأسرة العربية بدخول مجالات هذه الصورة الرهيبة في حينها، كما قام بإنتاج متصفحات عربية منها ما أسماه سندباد، وأضاف إليه خدمات كثيرة باللغة العربية، وهنا تدخلت مايكروسوفت بشكل قوي، وأنتجت إنترنت إكسبلورر، وتم إطلاقه مجاناً في مواجهة شرسة وغير أخلاقية هدفها الاستحواذ العالمي».
رسالة عائلة الشارخ
تلا رئيس مجلس أمناء مركز عبدالله بن إدريس الثقافي د. زياد الدريس رسالة وردته من عائلة الشارخ في الكويت موقعة من زوجته أم فهد موضي وأولاده، وتقول: «ليس غريباً أن يبادر أهلنا في السعودية إلى عقد ندوة وفاء لفقيدنا، فهي منبع الإسلام ومهد العروبة واللغة العربية التي أحبها الراحل وأخلص لها وعززها بمشروعات غير مسبوقة لخدمة القرآن الكريم والسنة النبوية، وكان الوالد طوال حياته محل احتفاء أشقائنا السعوديين، فنحن نعتز بأصولنا السعودية وأرض نجد، ونتوجه بالشكر إلى مركزي حمد الجاسر الثقافي وعبدالله بن إدريس الثقافي على مبادرتهما للاحتفاء بوالدنا الغالي سائلين له الرحمة، وأن تستمر وتمتد رسالته لخدمة اللغة العربية والدين الإسلامي».