لويس التاسع: قصة ملك فرنسا الذي سُجن في مصر

في 3 يوليو/ تموز من عام 1250 اعتقلت قوات الأيوبيين في مصر لويس التاسع ملك فرنسا بعد أن أنزلوا الهزيمة بجيشه في معركة فارسكور، ليسجنوه بعد ذلك في دار ابن لقمان في المنصورة، فما هي قصة هذا الملك الفرنسي، وكيف انتهى به الحال سجينا في مصر؟

تقول دائرة المعارف البريطانية إن لويس التاسع وُلد في 25 أبريل/ نيسان من عام 1214 في بواسي بفرنسا وتوفي في 25 أغسطس/ آب من عام 1270، في تونس العاصمة وتم إعلان قداسته في 11 أغسطس/ آب من عام 1297، وكان ملك فرنسا من 1226 إلى 1270، وقاد الحملة الصليبية السابعة بين عامي 1248و1250 وتوفي في حملة صليبية أخرى على تونس.

عمل لويس الثامن على مواجهة تلك التحديات الخارجية والداخلية. في عام 1226، حول لويس الثامن انتباهه إلى قمع الثورة الألبيجينية، لكنه توفي في مونبنسير في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1226، وأصبح لويس التاسع، الذي لم يكن قد بلغ الثالثة عشرة من عمره بعد، ملكًا تحت وصاية والدته.

كان الاهتمام الأول للملكة الأم هو اصطحاب لويس إلى ريمس لتتويجه حيث امتنع العديد من النبلاء الأقوياء عن المشاركة في الحفل، لكن بلانكا لم تكن امرأة تثبطها الشدائد. فقد هاجمت بقوة البارونات المتمردين، ولا سيما هيو لوزينيان وبيتر أوف درو (بيير موكليرك)، دوق بريتاني. كما عملت على وضع حد للثورة الألبيجينية.

ظلت مشكلة ممتلكات إنجلترا في فرنسا قائمة. وبدعم من بيتر أوف درو، هبط هنري الثالث بقواته في بريتاني وحاول التقدم إلى غرب فرنسا. وعلى الرغم من أن لويس التاسع كان يبلغ من العمر 15 عامًا فقط فقد قاد بنفسه القوات الفرنسية. ولم تكن هناك معارك، لأن هنري انسحب دون قتال. وتم تجديد الهدنة، واستسلم بيتر أوف درو لسلطة لويس.

اختارت والدته الشابة مارغريت، ابنة ريموند بيرينغر الرابع، كونت بروفانس زوجة للويس. وتم الاحتفال بالزواج في سينس في 29 مايو/ أيار من عام 1234، وأظهر لويس اهتماما كبيرا بزوجته، مما جعل بلانكا تغار بشدة من زوجة ابنها. وكان لدى لويس ومارغريت 11 ابنا وابنة.

وكان على لويس التاسع أن ينطلق مرة أخرى لمواجهة الإنجليز حيث عاد هنري إلى فرنسا بقوة كبيرة، وهذه المرة نزلت قواته في رويان، واتحد معه غالبية النبلاء في غرب فرنسا. وقد أدت المواجهة على جسر تيلبورغ عام 1242 إلى هزيمة الإنجليز، وعاد هنري إلى لندن.

الحملة الصليبية السابعة

بعد انتصاره على الإنجليز، أصيب لويس التاسع بمرض خطير، وفي ذلك الوقت، في ديسمبر/ كانون الأول من عام 1244، قرر أن يحمل الصليب ويذهب إلى الشرق الأوسط رغم قلة الحماس بين حاشيته تجاه هذه الخطوة.

لم يكن الوقت في أوروبا أكثر ملاءمة لشن حملة صليبية من أي وقت مضى. كانت هناك فترة هدنة في الصراع الكبير بين الإمبراطورية الرومانية المقدسة والبابوية. وكانت مملكة فرنسا في حالة سلام، ووافق النبلاء في النهاية على مرافقة ملكهم في الحملة الصليبية السابعة .

وكانت الاستعدادات طويلة ومعقدة. فبعد أن عهد لويس التاسع بالعرش إلى والدته، انطلق أخيرًا من إيج مورت في 25 أغسطس/ آب من عام 1248. وأخذ معه زوجته وأبنائه. وكان أسطوله يتألف من حوالي 100 سفينة تحمل 35 ألف رجل.

وكان هدف لويس بسيطًا، كان ينوي الهبوط في مصر، والاستيلاء على المدن الرئيسية في البلاد، واستخدامها وسيلة لمبادلتها بمدن في الشام.

وكانت البداية واعدة. فبعد قضاء فصل الشتاء في قبرص، هبطت الحملة بالقرب من دمياط في مصر في يونيو/ حزيران من عام 1249.

وكانت مدينة وميناء دمياط محصنين بقوة، ولكن في 6 يونيو/ حزيران تمكن لويس التاسع من دخول المدينة.

ولدى وصول الصليبيين اعتقد قادة جيش الصالح أن سلطانهم قد مات، فانسحبوا، ووقعت دمياط في أيدي الصليبيين بسهولة، ولم يمر وقت طويل وتوفي الملك الصالح فعلا.

المعارك والأسر

وفي ذلك الوقت بعثت شجرة الدر أرملة الصالح أيوب رسالة إلى ابنه توران شاه ودعته للعودة سريعًا من حصن كيفا، القريب من ديار بكر في جنوب تركيا الحالية، لمصر لتسلم مقاليد الحكم، وكلفت أمراء المماليك بالاستمرار في الإعداد لمعركة المنصورة، التي وقعت يوم 11 فبراير/شباط 1250 ونزلت الهزيمة بقوات لويس التاسع وقتل شقيقه روبرت أرتوا.

وتوالت المواجهات بين المسلمين والصليبيين حتى وصل توران شاه للمنصورة حيث بدأ الإعداد للمعركة التالية في وقت انتشرت فيه المجاعة والمرض في صفوف الصليبيين.

وفي ظل تلك الأوضاع الصعبة تخلى لويس التاسع عن فكرة الزحف صوب القاهرة، وقرر العودة لدمياط حيث تعرضت قواته لهجمات المسلمين على طول الطريق، ثم وقعت معركة فارسكور قرب دمياط حيث حقق المسلمون انتصارا كبيرا ووقع لويس التاسع نفسه في الأسر، وتم نقله لدار ابن لقمان في المنصورة.

الفدية والموت

بعد مفاوضات طويلة، تم إطلاق سراح الملك وباروناته الرئيسيين بعد نحو شهر في السجن مقابل فدية كبيرة (800 ألف دينار من الذهب)، وانضم لويس مرة أخرى إلى زوجته في عكا.

وقد تضمن اتفاق إطلاق سراح لويس التاسع تسليم دمياط، والتعهد بعدم العودة إلى مصر مرة أخرى، بالإضافة إلى دفع نصف الفدية (400 ألف دينار) وأن يحتفظ توران شاه بأسرى الصليبيين إلى أن تُدفع بقية الفدية، بالإضافة إلى إطلاق سراح الأسرى المسلمين، وعقد هدنة بين الطرفين لمدة 10 سنوات.

وكان الصليبيون يفضلون العودة إلى فرنسا، لكن الملك قرر البقاء في الشرق الأوسط بدلاً من ذلك. وفي 4 سنوات كان عليه أن يحول الهزيمة العسكرية إلى نجاح دبلوماسي، ويعقد تحالفات مفيدة، ويحصن المدن المسيحية في الشام. ولم يعد إلى مملكته إلا بعد أن علم بوفاة والدته.

بعد عودته إلى فرنسا، انشغل في شؤونها الداخلية، وفي أواخر أيامه أخذ يفكر في القيام بحملة صليبية جديدة، وكانت وجهته شمال أفريقيا هذه المرة، وما إن وصل أسطوله سنة 1270 إلى شواطئ تونس حتى وافته المنية.

 

المصدر: BBC
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments