شهدت بدايات القرن التاسع عشر مناورات جيوسياسية وتجارية في الخليج حيث سعت الإمبراطورية البريطانية، مدفوعة بالأهداف الاستراتيجية لشركة الهند الشرقية البريطانية، إلى العمل على السيطرة على طرق بحرية حيوية تربط مستعمراتها في الهند بشبكة التجارة العالمية الأوسع.
وكان أحد العوائق الرئيسية أمام هذا الطموح هو قبيلة القواسم التي كان مقرها في دولة الإمارات العربية المتحدة الحالية. وقد كانت الحملة البريطانية ضد القواسم في عام 1805 صراعًا مبكرًا ومحوريًا مهد الطريق لمزيد من الاشتباكات العسكرية والهيمنة البريطانية النهائية في المنطقة.
وغالبًا ما صورت الرواية البريطانية القواسم كقراصنة يهاجمون السفن التجارية البريطانية والحليفة. ومع ذلك، يقترح بعض المؤرخين أن هذا التصوير كان مبالغًا به وله دوافع سياسية. فقد كان القواسم منخرطين في التجارة المشروعة والحروب البحرية، مما يعكس التداخل المعقد بين التجارة والصراع في المنطقة.
ويواصل الكتاب: “وبموجبها باشرت شركة الهند الشرقية حملة افتراءاتها لوصم القواسم بالقرصنة، واتهامهم بأنهم هم الذين هددوا كل النشاط البحري في المحيط الهندي، بل وألصقوا كل حظٍ عاثرٍ أو سوء طالع يحيق بسفينة بالقواسم (القراصنة). وسرعان ما قادت تلك الحملة الشرسة إلى الهجوم على رأس الخيمة وتدميرها والقضاء على قوة القواسم البحرية”.
سلسلة حملات
وبحلول أوائل القرن التاسع عشر، كانت التوترات بين البريطانيين والقواسم تتصاعد حيث كان البريطانيون عازمين على حماية طرقهم التجارية وقمع أي تهديدات بحرية. ومن ناحية أخرى، كان القواسم عازمين أيضًا على فرض هيمنتهم وحماية مصالحهم التجارية.
في عام 1805، قررت شركة الهند الشرقية البريطانية اتخاذ إجراء حاسم. وكان السبب المباشر للصراع هو سلسلة من الهجمات المنسوبة إلى القواسم على السفن التجارية البريطانية.
وكانت الحملة البريطانية ضد القواسم في 15 يونيو/ حزيران من عام 1805 عبارة عن قوة بحرية صغيرة أُرسلت من الهند. وكانت هذه الحملة واحدة من الجهود المبكرة التي بذلها البريطانيون لممارسة ضغط عسكري مباشر على القواسم. وكان الهدف هو شن هجوم سريع وحاسم على معقل القواسم في رأس الخيمة.
وأبحر الأسطول البريطاني من بومباي (مومباي الآن) وتوجه إلى الخليج حيث حاول البريطانيون الاستيلاء على سفن القواسم أو تدميرها.
وبعد عدة أسابيع من الاشتباك، قرر البريطانيون الانسحاب مؤقتًا بعد أن ألحقت الحملة أضرارًا بأسطول القواسم ومرافق الميناء، لكنها لم تتمكن من القضاء على القواسم بالكامل.
وقد أبرزت تلك الحملة الحاجة إلى وجود بحري بريطاني أكثر قوة وديمومة في الخليج. وفي السنوات التي أعقبت صراع 1805، وسعت شركة الهند الشرقية البريطانية عملياتها البحرية وأنشأت دوريات منتظمة لحماية مصالحها التجارية.
واستمرت المواجهات بين الطرفين وبحلول عام 1809، أطلقت القوات البريطانية تحت قيادة الكولونيل جون وينرايت والكابتن ويليام بينبريدغ حملة أكبر ضد القواسم. وبلغت هذه الحملة ذروتها في معركة رأس الخيمة في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1809 عندما قصفت القوات البريطانية المدينة ودمرت العديد من سفن القواسم. وعلى الرغم من أن البريطانيين أعلنوا النصر، إلا أن القواسم أعادوا بناء أسطولهم بسرعة واستأنفوا نشاطاتهم.
وتميزت الفترة بين 1810 و1819 بالمناوشات المستمرة وتزايد عزم البريطانيين على القضاء نهائيًا على تهديد القواسم. وبلغت هذه الجهود ذروتها في حملة واسعة النطاق في عام 1819، بقيادة الجنرال ويليام كير غرانت.
وبعد سقوط رأس الخيمة، تحركت القوات البريطانية نحو معاقل القواسم الأخرى، بما في ذلك الشارقة، وأدى ذلك إلى تقليص قدرات القواسم البحرية بشكل كبير.
معاهدة 1820
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن “هذه المعاهدة مهمة لعدة أسباب حيث اعترفت المعاهدة بالهيمنة البريطانية في الخليج وأقامت إطارًا للتحكم البريطاني في الأنشطة البحرية في المنطقة، كما أضعفت المعاهدة القواسم بشكل كبير”.
وهكذا، ظهرت بريطانيا كقوة بحرية مهيمنة في الخليج، قادرة على التأثير على المشهد السياسي والاقتصادي للمنطقة، واستمرت هذه الهيمنة حتى القرن العشرين.
مع ذلك، فإن أهمية قبيلة القواسم انعكست في اختيار الشارقة كمقر للممثل الرئيسي لبريطانيا لدى المشيخات في عام 1823؛ وظل المقر هناك حتى عام 1954، عندما تم نقله إلى دبي.
لقد كانت الحملات البريطانية ضد القواسم من عام 1805 إلى 1820 فصلًا حاسمًا في تاريخ الخليج. وقد عكست الاستراتيجيات الإمبريالية الأوسع للإمبراطورية البريطانية وتصميمها على السيطرة على طرق بحرية رئيسية. كما مثلت بداية فترة من الهيمنة السياسية والعسكرية البريطانية التي استمرت حتى القرن العشرين.