طالبة العريش: متى تكسرالنساء في مصر حاجز الصمت وتبلغ عن جرائم الابتزاز الإلكتروني؟

أعادت واقعة وفاة طالبة جامعية مصرية بعد تعرضها للابتزاز وتهديدها بنشر صور ومراسلات خاصة، إلى الواجهة قضايا العنف والابتزاز الإلكتروني التي تتعرض لهما فتيات وسيدات في مصر.

الفتاة التي عُرفت إعلامياً باسم “طالبة العريش”، قالت النيابة العامة المصرية في بيان لها إنها تعرضت لابتزاز من زميل وزميلة لها، وأٌلقي القبض عليهما وحبسهما على ذمة التحقيقات.

كما قال البيان إن النيابة العامة أصدرت قراراً بتشريح جثمان الفتاة، بعدما قال والداها إن هناك “شبهة جنائية” تُحيط بوفاة ابنتهما، ولا تزال التحقيقات جارية.

وحذرت النيابة من نشر أي أخبار من شأنها إثارة الفتن ونشر الكذب على مواقع التوصل الاجتماعي، موضحة أنها ستتصدى بكل “حزم” لذلك.

بدأت القصة منذ بضع سنوات، عندما كانت ميرنا تمر بضائقة مالية وكانت تتصفح حسابها على موقع فيسبوك عبر هاتفها لتجد إعلاناً مُمولاً لتسهيل الحصول على قروض مالية.

تقول ميرنا: “ضغطت على رابط الإعلان وأدخلت رقم هاتفي ورقم بطاقتي الشخصية وقمت بتحميل صورتي الشخصية على الموقع لتقديم طلب اقتراض مبلغ مالي”.

في بداية الأمر، حصلت ميرنا على قرض صغير وسددته عبر تحويله إلى محفظة نقدية مرتبطة برقم هاتف أعطاه لها أحد الأشخاص القائمين على الإعلان .

وبعدها ببضعة أيام، بدأت تتلقى “عددا غير طبيعي من مكالمات” من أشخاص تتطالبها بسداد القرض.

وكان المتصلون يصرون على أنهم لم يتسلموا أي أموال عبر محفظة النقود، على الرغم من إرسال ميرنا لهم إيصالات تثبت السداد.

تتابع ميرنا، قائلة: “حينما رفضت السداد، بدأوا يبتزونني ويهددونني بأنه إن لم أرسل لهم الأموال لهم، سيرسلون صوراً خاصة لي كانت على هاتفي المحمول من دون حجاب إلى جميع الأرقام المُسجلة على الهاتف”.

وعندما رفضت الاستمرار في دفع الأموال، فوجئت بأقارب وأصدقاء لها يتصلون بها ليعلموها أن صورها الشخصية أُرسلت إليهم.

وتقول: “الأمر وصل إلى إرسال صوري الشخصية إلى صاحب المتجر الذي يقع أسف منزلي والذي اشتري منه بعض البضائع، لكني أرسلت له سجل محادثات كان بيني وبين المبتز، حتي يعلم حقيقة الأمر”.

حررت الضحية محضراً في مباحث الإنترنت، وأُلقي القبض على الأشخاص الذين ابتزوها وكشفت التحريات أن الجناة كانوا يتخذون من شقة مقراً لشركة يديرونها للابتزاز والاحتيال.

“وجدت رقم هاتفي على مواقع للتعارف والزواج”

تقول ريما: ” تعرفت صديقتي عبر تطبيق ماسنجر على شخص وبدأ الاثنان يتجاذبان أطراف الحديث، وبعدها قرصن هذا الشخص هاتف صديقتي وحصل على كل الصور والأرقام وبدأ يبتزها، حتى خضعت له خوفاً منه”.

وتضيف: “عندما بدأت أحذر صديقتي من سلوكه وابتزازه عبر محادثات بيني وبينها على واتساب، انتقم مني ووضع اسمي وأرقام هواتفي على مواقع للزواج والتعارف، لكن لحسن حظي لم يصل لأي صور لي”.

وتتذكر في حديثها لبي بي سي كيف كانت تتلقى سيلاً من الرسائل والمكالمات ذات محتوى غير لائق من دول عربية عدة، ولم تكن تعرف السبب إلى أن تحدثت إلى صديقة لها في العمل .

اضطرت ريما لإلغاء خطوط الهاتف المسجلة باسمها، وقامت بالإبلاغ عبر محرك البحث غوغل عن محتوى تلك المواقع التي نشرت تفاصيلها الشخصية، لكنها لم تتقدم ببلاغ إلى أي جهات رسمية.

وقد أجرى باحثون بقسم الطب الشرعي والسموم الإكلينيكية، في كلية الطب بجامعة القاهرة، دراسة شملت 324 فتاة وسيدة، تحت اسم “تقييم الاستغلال السيبراني خلال الأعوام 2021 و2022 بين عينة من النساء المصريات”.

وخلُصت الدراسة أن حوالي 85 في المئة من المشاركات قلن إنهن تعرضن للعنف السيبراني.

وفي الوقت الذي تتقدم فيه سيدات ببلاغات، لا تزال آخريات تحجمن عن الإبلاغ على الرغم من وجود قانون مصري يجرم الابتزاز الإلكتروني.

تنص المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 على أن عقوبة الابتزاز الإلكتروني في مصر تصل إلى السجن لمدة لا تقل عن ستة أشهر.

كما تنص المادة 26 من قانون العقوبات المصري بالسجن لمدة لا تقل عن العامين، ولا تزيد عن خمس سنوات للمبتز، ودفع غرامة ما بين 100 ألف إلى 300 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، حتى لو كانت الفتاة على علاقة بالمبتز وأرسلت له سابقاً صوراً شخصية لها.

ويقول الدكتور أحمد بدر، مدير وحدة البحوث بمركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي: “لا تزال أعداد الفتيات التي تبلغ عن حالات الابتزاز قليلة، لأن المجتمع دوما ما يُلقي باللوم على ضحايا العنف، تحديداً السيدات”.

وقال اللواء محمود الرشيدي، مساعد وزير الداخلية الأسبق للمعلومات، لبي بي سي: “كنا نواجه مشكلة كبرى أثناء عملنا في مباحث الإنترنت، وهي أن الضحية عندما تبلغ تخفي الكثير من الحقائق، خشية إلقاء اللوم عليها”.

ويتابع: “لا ترغب بعض الفتيات في الإفصاح عن أنها كانت على علاقة بالمبتز”.

وأصدر محكمة جنايات مصرية حينها أحكاماً بالسجن لمبتزيها تتراوح ما بين 5 إلى 10 سنوات.

تغليظ العقوبة أم زيادة الوعي المجتمعي؟

وعلى الرغم من أن البعض يرى أن المجتمع يعامل الضحية في جرائم الابتزاز على أنها الجاني وليس المجني عليه، يعتقد آخرون أن تشديد عقوبة الابتزاز الإلكتروني قد يحد من تلك الجرائم.

وتتفق جهاد حمدي، مدرة ومؤسسة مبادرة “سبيك آب” (اتكلمي) المعنية بدعم ضحايا العنف، مع اللواء الرشيدي في هذا الطرح، مطالبةً بتغليظ العقوبة في حالة دفع المبتز الضحية إلى الانتحار.

وتقول النائبة في البرلمان المصري غادة عجمي لبي بي سي: “أؤيد تماماً تغليظ العقوبة، لأن الابتزاز لا يقتصر فقط على الفتيات الصغيرات، ولكن تتعرض كذلك سيدات للابتزاز والتشهير”.

وتضيف: “أطالب أيضاً أن تعلن المؤسسة القضائية عن اسم وتفاصيل الشخص المبتز بعد إصدار القضاء المصري حكماً أو عقوبة بحقه، حتى يكون عبرة. في هذه الحالة لن يكون هذا تشهيراً، لأن الشخص المجني عليه لن يكون هو الذي أعلن التفاصيل”.

لكن أحمد بدر، مدير وحدة البحوث بمركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي، يرى أن تغليظ العقوبة لن يعالج جذور المشكلة.

ويقول: “لدينا معدلات بلاغات منخفضة عن وقائع التحرش، على الرغم من تعديل القانون أكثر من مرة. وعُدلت العقوبات من جُنحة إلى جناية، لكن المشكلة تكمن في أن فتيات كثيرات لا يعرفن القانون الذي يجرم هذا النوع من الابتزاز”.

ويضيف: “بعض الفتيات لا يعرفن من هي الجهة التي سيتقدمن إليها ببلاغ”.

 

المصدر: BBC
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments