“أصابني والداي بالاكتئاب. كنت أبكي كل يوم تقريبا. لذلك اخترت أن أتجاهلهما”.
من غير المعتاد أن نسمع هذا من ابنة، خاصة بعد أن أصبحت أما.
لكن ساريكا تقول إنها وصلت إلى نهاية علاقتها بوالديها بعد سنوات من “سلوكهما السام” الذي أثر سلبا على صحتها العقلية.
وتضيف ساريكا، الماليزية البالغة من العمر 30 عاما، لبي بي سي: “لقد أثر ذلك عليّ كثيرا، خاصة خلال فترة حملي. أعتقد أنه حتى طفلي، الذي لم يولد بعد، ربما سمعني أبكي”.
ووفقا لآشلي، البالغة من العمر 25 عاما، فإنه على الرغم من غياب والدها، كان كثيرا ما يشتكى من كل شيء تقريبا يتعلق بها.
قد تعيش آشلي وساريكا على بعد آلاف الكيلومترات، لكن لديهما الكثير من القواسم المشتركة.
وقد نشر العديد من الآخرين مقاطع فيديو على تيك توك ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى، واصفين كيف قطعوا الاتصال بوالديهم. ويقولون إن هذا يرجع إلى ما يسمونه “السلوك السام” الأبوي، والذي يسبب الشعور بالذنب والخوف المستمر منذ الطفولة.
تقول أيو أديسيوي، وهي معالجة نفسية معتمدة من الجمعية البريطانية للإرشاد والعلاج النفسي ” بي أي سي بي (BACP) إن عدد الأشخاص الذين يطلبون المساعدة المهنية بسبب الأضرار الناجمة عن الآباء السيئين ليس شائعا فحسب، بل إنه منتشر”.
في حين أن مصطلح “سام” يستخدم أكثر من أي وقت مضى، فماذا يعني؟
ما هو “الوالد السام”؟
بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”، فإن “التربية الإيجابية لا تقتصر على أسلوب أو مجموعة قواعد أو طريقة، بل هي معتقد وأسلوب حياة. وينبغي معاملة الأطفال باحترام، بعيدا عن الخوف من العنف والعار، وبإحاطتهم بالتشجيع والمحبة”.
على الرغم من عدم وجود تعريف رسمي لـ “الوالد السام”، فإنه يستخدم على نطاق واسع كمصطلح شامل لوصف مجموعة من الخصائص السلبية التي تتعارض مع “التربية الإيجابية”.
تقول أيو “عموما، يصنف شيء ما على أنه سام عندما يكون نمطا متكررا من السلوك وليس حدثا معزولا”.
وتضيف “على سبيل المثال، سؤال إبنك/ إبنتك عما إذا كان لديه/ لديها شريك ليس في حد ذاته مشكلة. ولكن إذا كان الاستجواب جزءا من نمط من السلوك المسيطر أو المسيء، فإن السؤال يكتسب أهمية أكبر بالنسبة للإبن/ الإبنه.
وتوضح أيو، وهي أيضا متخصصة في العنف المنزلي، إنه “في بعض الأحيان يفعل الآباء ذلك عن غير قصد، دون معرفة ما يفعلونه، وذلك بسبب افتقارهم إلى الوعي الذاتي والمعرفة والتعليم”.
السيطرة والنرجسية وأنواع أخرى من الصفات
تقول أيو إن هناك نوعين أكثر شيوعا من التربية السامة التي تراها خلال عملها.
أولا، هناك الآباء المسيطرون الذين قد يتدخلون في الحياة الأكاديمية لطفلهم، أو حياته العملية، أو خيارات العلاقات من خلال وضع توقعات ومعايير غير واقعية.
ومع ذلك، فإن قائمة أنواع الآباء السامة لا تزال طويلة، كما قالت أليسون كورنر، استشارية علم النفس السريري في المملكة المتحدة.
فبعد تقاعدها من العمل لدى خدمة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة (NHS)، أطلقت أليسون موقعا على شبكة الإنترنت هو myhorridparent.com، والذي يقدم نصائح حيوية ونافعة للشباب المتأثرين بأبوين سامين، بهدف مساعدتهم على المضي قدما في حياتهم.
• الأمهات المسيطرات – اللاتي يتخذن القرارات نيابة عن أولادهن دون أن يُطلب منهم ذلك.
• الأمهات الغاضبات – اللاتي يجدن خطأ في كل ما يفعله أولادهن تقريبا (ويُخبرن أولادهن بذلك).
• الأمهات الحسودات – اللاتي يفتقرن إلى أشياء ما في حياتهن ويريدن العيش من خلال أولادهن.
• الآباء التنافسيون – الذين قد يصبحوا سيئين وينتقدون كل شيء إذا كان أداء الأطفال أفضل منهم.
• الآباء الغاضبون – الذين لديهم مزاج ناري وعدواني ويفقدون سيطرتهم على أصغر الأشياء.
• الآباء الخاضعون – الذين يتركون كل القرارت والمسؤوليات للأمهات.
وأضافت في مقابلة مع بي بي سي: “قد يكون الأمر سيئا لهذه الدرجة”.
المحرمات الثقافية
حاولت ساريكا التحدث إلى شخص ثالث مقرب من عائلتها – “شخص يُعرف بعدم إصدار الأحكام المسبقة” – بشأن هذه القضية، لكنها قالت إنهم جميعا ألقوا باللوم عليها في النهاية.
ووفقا للبروفيسوره تشيريس شون تشينج تشان، خبيرة علم الاجتماع من جامعة هونغ كونغ، فإنه يمكن أن تساهم عوامل اجتماعية واقتصادية مختلفة أيضا في هذه الظاهرة.
وأضافت أنه على سبيل المثال، يمكن أن تضغط سياسة الطفل الواحد في الصين، والتي تفرض على معظم الأسر إنجاب طفل واحد فقط، على الأطفال لأن آباءهم ليس لديهم أي أشخاص آخرين يعتمدون عليهم.
وقالت في مقابلة مع بي بي سي “وهذا الطفل يتعرض في الواقع لضغوط أكبر لتحقيق توقعات والديه لأن والديه ضحيا بالكثير أو فعلا كل شيء من أجله”.
وأوضحت البروفيسوره أنه في هذه الأثناء، يسعى العديد من الآباء إلى الاعتماد العاطفي على الأطفال، الذين يشعرون بالقلق على أبائهم طوال الوقت، خاصة إذا كانت العلاقة الزوجية للوالدين على غير مايرام أو إذا كان للأب علاقة خارج نطاق الزواج.
وأضافت “أعتقد أن هذا أيضا نوع من التربية السامة، وسيكون من الصعب على الأطفال أن يكونوا منفتحين بشأنه. وفي ظل هذه الظروف، يصبح بعض الأطفال بمثابة مستشارين لأمهاتهم”.