حكاية نجاح مغربي ينسج أحلامه يدويا مع كرات القدم الجلدية

وسط زحام المدينة العتيقة في مراكش، ينهمك كمال بوقنطار في محله الصغير، صانعا كرات كرة القدم من الجلد الطبيعي.

يصارع بوقنطار (52 عاما)، الزمن للحفاظ على حرفة نادرة، في ظل قلة الاهتمام بهذا النوع من الكرات الذي يتطلب صنعها مهارة وخبرة.

اقرأ أيضا

list of 4 items

list 1 of 4

“الخوّاص”.. حرفة يدوية تتوارثها عائلة المنايعة في فلسطين

list 2 of 4

الموزاييك.. حرفة عريقة تصارع البقاء شمال سوريا

list 3 of 4

فنانو الخزف الفخاري.. يزفون العيد على طرقات الجزائر المطلة على البحر المتوسط

list 4 of 4

قلادات الهنود الحمر حرفة نادرة في الجزائر.. فما قصتها؟

end of list

فالرجل يكاد يكون الوحيد في المغرب الذي يمتهن صناعة الكرات يدويا، ويحاول جاهدا أن تبقى شعلة هذه الحرفة مشتعلة حتى لا تندثر.

يصنع كمال بوقنطار الكرات الجلدية بمهارة يدوية منذ أزيد من 3 عقود بمدينة مراكش المغربية
كمال بوقنطار يصنع الكرات الجلدية بمهارة يدوية منذ أزيد من 3 عقود بمدينة مراكش المغربية (الأناضول)

مهنة عائلية متوارثة

بعد الدخول من باب الدباغ التاريخي في المدينة العتيقة بمراكش، والسير بضعة خطوات، تتجاور محال بيع الجلد، وحرف صناعة المنتوجات الجلدية، بينما ينهمك بوقنطار في محله في صنع الكرات، وكله نشاط وحيوية.

يقول بوقنطار للأناضول، إن صناعة الكرات تجري في دمه، خاصة أن والديه دأبا على صناعتها منذ مدة طويلة.

ويشير إلى أن والدته كانت تعين والده على صناعة الكرات من ستينيات إلى تسعينيات القرن الماضي، ثم واجهت هذه الصناعة سنوات عجاف استمرت لعقد من الزمن حتى 1990، ليأتي كمال ويعيد إحياءها.

حكاية نجاح مغربي ينسج أحلامه يدويا مع كرات القدم الجلدية
صناعة الكرات تجري في دمه، كما يقول بوقنطار، خاصة أن والديه دأبا على صناعتها منذ مدة طويلة (الأناضول)

طلبات خاصة للزبائن

وحول ما يتعلق بالزبائن، ينبّه بوقنطار إلى أن معظمهم من الأفراد، وقلة من الفرق والمحال التجارية التي تبيع الملابس والأدوات الرياضية.

كما يتلقى طلبات لصناعة كرات معينة، مثل نماذج تعود إلى سنوات قديمة، كما هو حال الزبون الذي طلب كرة مماثلة لتلك التي شهدت المباراة النهائية لمونديال الأوروغواي في 1930.

يحتفظ بوقنطار بعشرات النماذج لكرات، منها من كانت شاهدة على بطولات كأس العالم السابقة. وأشار إلى أنه يفاوض أحد الزبائن لصنع جميع نماذج كرات بطولات كأس العالم السابقة.

حكاية نجاح مغربي ينسج أحلامه يدويا مع كرات القدم الجلدية
تطلب بعض الكرات يوما ونصف يوم أو يومين فقط لإنجازها، وأخرى 3 أو 4 أيام، وبعضها إلى أسبوعين كاملين  (الأناضول)

تراث وحب ومهارة فائقة

بمهارة فائقة، يشرع بوقنطار في تقطيع أشكال صغيرة من الجلد بدقة وعناية، لينتقل بعدها إلى عملية الخياطة التي تستغرق مدة زمنية تختلف حسب نوعية الكرة.

فبينما تتطلب بعض الكرات يوما ونصف يوم أو يومين فقط لإنجازها، قد تستغرق أخرى 3 أو 4 أيام، بينما يصل زمن إتمام بعض النماذج المعقدة إلى أسبوعين كاملين.

حكاية نجاح مغربي ينسج أحلامه يدويا مع كرات القدم الجلدية
 صناعة الكرة الجلدية تتطلب تراثا عائليا وحبا عميقا للمهنة، وفق بوقنطار (الأناضول)

ويؤكد بوقنطار أن صناعة الكرة الجلدية تتطلب تراثا عائليا وحبا عميقا للمهنة؛ فمثل هذه الحرف اليدوية لا تُتقن إلا من خلال الارتباط الوثيق بها، وهو ما يُعبّر عنه بقوله “أعمل وأشم رائحة الوالدين من خلال هذه الحرفة”.

ولا يقتصر إبداع بوقنطار على صناعة كرة القدم فقط، بل يُتقن -كذلك- صنع كرة الرغبي المستطيلة، وكرة اليد، وكرة الطائرة، مُقدما إبداعات متنوعة تُلبي احتياجات مختلف الرياضات.

حكاية نجاح مغربي ينسج أحلامه يدويا مع كرات القدم الجلدية
ورشة بوقنطار على صناعة الكرات فحسب، بل هي أشبه بمصحة تُعيد للكرات رونقها وتنقذها من التلف (الأناضول)

مصحة الكرات

لا تقتصر ورشة بوقنطار على صناعة الكرات فحسب، بل هي أشبه بمصحة تُعيد للكرات رونقها وتنقذها من التلف. فما إن تطأ قدماك عتبة هذه الورشة، حتى تذهلك روعة النماذج المعروضة، من كرات تقليدية قديمة إلى كرات حديثة مستخدمة في بطولات كأس العالم.

ويروي قصة تسمية ورشته بـ(مصحة الكرة) قائلا “في أحد الأيام، كنت أُصلح كرة ممزقة بشكل شبه كلي، وانهمك في خياطتها مدة طويلة حتى أحسست بالغضب، فقلتُ لنفسي: هل أنا في المستشفى؟ ومن هنا، اتخذت قرار تسمية ورشتي باسم (مصحة الكرة)”.

حكاية نجاح مغربي ينسج أحلامه يدويا مع كرات القدم الجلدية
 الاهتمام بصناعة الكرات الجلدية مهم، كونها جزءا لا يتجزّأ من تاريخ كرة القدم (الأناضول)

ويقدم بوقنطار لزبائنه ألبوم صور يضم 50 نموذجا من الكرات التي صنعها هو أو والده، مما يتيح لهم اختيار النموذج الذي يُناسبهم.

ويعرب عن أسفه لاستخدام البلاستيك في صناعة الكرات الحديثة، مؤكدا أن هذه الكرات لا تدوم طويلا، بينما تتميز الكرات الجلدية بمتانتها وقدرتها على البقاء لسنوات طويلة.

ويشير إلى أهمية الاهتمام بصناعة الكرات الجلدية، كونها جزءا لا يتجزّأ من تاريخ كرة القدم.

حكاية نجاح مغربي ينسج أحلامه يدويا مع كرات القدم الجلدية
عرض الكرات في معارض وطنية ودولية، سيسهم في الحفاظ على هذا التراث العريق (الأناضول)

ويقترح عرض هذه الكرات مع المنتخب الوطني في البطولات، أو المشاركة بها في معارض وطنية ودولية، موضحا أن ذلك سيسهم في الحفاظ على هذا التراث العريق.

يمثّل كمال رمزا لصراع الحرفيين للحفاظ على مهنهم في ظل العصرنة والتغيرات. إن شغفه بصناعة الكرات يدويا يعدّ نموذجا فريدا للحفاظ على حرفة تقليدية مهددة بالاندثار.

 

المصدر: الجزيرة
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments