في وقت تتجه الحكومة إلى إقرار تعديل على قانون تنظيم القضاء يضمن تأقيت المناصب القضائية لرؤساء المحاكم والنائب العام وأعضاء المجلس الأعلى للقضاء لمدة أربع سنوات، ولا يتم التجديد الا لمرة واحدة، يواجه التعديل جملة من الملاحظات، في مقدمتها فكرة عودة القضاة وأعضاء النيابة إلى مناصبهم السابقة، وهو ما يثير العديد من الصعوبات العملية في المشهد القضائي.
وسبق طرح مقترح تأقيت المناصب القضائية قبل عدة سنوات بذات المفهوم، وقد اصطدم الحديث عن تطبيقه بصعوبات عملية وقانونية، في مقدمتها عدم إمكانية ممارسة العديد من رجال القضاء أعمالاً بعد انتهاء تركهم للمناصب القضائية، أو لعدم وجود دوائر قضائية يمارسون فيها أعمالهم.
ويتمثل ذلك الأمر في أن من يتولى منصب النائب العام، على سبيل المثال، وبعد انتهاء مدة الأربع سنوات إلى أي عمل قضائي سيتم نقله إليه؟، هل ينقل إلى رئاسة النيابة وهو مكان عمله السابق أم سينقل إلى القضاء؟! كذلك فيمن يتولى مناصب في النيابة كمحامٍ عام ولم يمارس عملاً قضائياً، فهل سينقل إلى القضاء؟ وإلى أي من المحاكم سينقل؟ وهل سينقل بدرجته القضائية؟
وعلى سبيل المثال هناك العديد من ممن يتولون المناصب القضائية هم مستشارون في محكمة التمييز، وتم تعيينهم في المناصب القضائية، فهل سيتم إنشاء دوائر لهم في محكمة التمييز؟ وهل سيتولون رئاسة الجلسات في محكمة التمييز أم أعضاء فيها؟ وكيف سيقبلون فكرة العضوية؟
ومثل تلك الحالة وما ينتج عنها من تساؤلات ستجعل من يقبلون المناصب القضائية في حيرة بالتعامل مع الواقع اللاحق لذلك المنصب، لأن المقترح يتضمن فكرة التجديد مرة واحدة.
الشخصيات القضائية
ومن ثم فإن المنطق يثير أيضاً إمكانية عدم التجديد لبعض الشخصيات في المنصب مما قد يثير تساؤلاً لدى العامة لماذا تم التجديد لهذا الرئيس ولم يتم التجديد للآخر؟ وهو ما قد يثير العديد من التكهنات على تلك الشخصيات القضائية ممن يتولون رئاسة المحاكم أو النيابة العامة، لذلك فإن تأقيت المناصب القضائية لمدة واحدة أفضل بكثير من فكرة إمكانية التجديد لمدة واحدة، حتى لا يتم فتح باب التكهنات عن أسباب عدم التجديد لمن لا يتم التجديد لهم بأن أسبابها قد تتعلق بأمور تتعلق بالكفاءة أو عدم القدرة في الإدارة، ومثل هذا التوجه قد يوجه إلى المسؤولين العاديين وليس للسادة القضاة، لأن النقد قد ينال المكان الذي يتولون إدارته ولا يقتصر عليهم فقط، لذلك فالأفضل أن يكون التأقيت لمدة أربع سنوات واحدة ولا تجدد.
كما أن المقترح يتضمن فكرة البقاء في عضوية الدوائر السابقة للقضاء بعد أن كان السادة القضاة يتولون رئاسة الهرم في قطاع المحاكم والأمر ليس كحال أعضاء هيئة التدرس في جامعة الكويت حيث بإمكان الأستاذ أن يعود للتدريس مجدداً، لأن عمل القاضي مختلف ويمارس عملاً فنياً وإدارياً لدى عقد الجلسات ويواجه جمهور المتقاضين.
كما يثير المقترح أنه في حال عدم القبول بالعودة لمنصة القضاء أن يفتح الباب لتقديم الاستقالة من المنصب القضائي، ما يعني أن القاضي أو عضو النيابة سيتعامل مع نظام التقاعد وفقاً لقانون التأمينات، مما يسبب له ربكة مالية بالتعامل مع الدخل الذي يتقاضاه، والذي لن يتجاوز الثلاثة آلاف دينار، بعدما كان يتقاضي ضعفه أو أكثر من ذلك، وعليه فإن الأمر يستدعي أن يلحق في المقترح منح عضو القضاء تارك المنصب القضائي وقد بلغ 60 عاماً وتجاوز درجة قضائية معينة أن يمنح راتب كاملاً حال رغبته بالتقاعد، ومن هنا يضمن عضو القضاء بأن قبوله بالمنصب لرئاسة المحاكم والنيابة العامة لن يتسبب له بأضرار وظيفية أو مالية تؤثر على دخله، وأن من يتولى المنصب لمدة واحدة لا تزيد على أربع سنوات له الحق في البقاء بالقضاء وحال اجتيازهم درجة محددة كوكيل محكمة التمييز أي بلوغهم سن 60 عاماً، على سبيل المثال، بأن لهم طلب التقاعد مع منحهم الدخل المالي الذي يتقاضونه.
قبول المناصب
ومثل تلك الصعوبات العملية يتعين الوقوف عليها لدى معد التشريع ومن يصيغ مواده، حتى لا نكون أمام حالة من العزوف التي ستواجه قضية قبول المناصب القضائية، التي ستجعل القضاة يترددون في قبولها، لأن قبولها سيخلق لديهم أزمة في البقاء في المناصب وعدم القدرة على إكمال مهام القضاء سواء على الصعيد العملي أو القانوني أو على صعيد ضمان الحياة الكريمة التي سيتأثر فيها دخل القاضي.
وبناء عليه، يتعين على المشرع ربط فكرة تأقيت المناصب القضائية لمدة أربع سنوات واحدة ولا يجوز لمدة أخرى، مع منح القضاة وأعضاء النيابة ممن تركوا المناصب الحق في الاستمرار أو التقاعد مع منحهم الرواتب المالية التي يتقاضونها وفق درجاتهم القضائية، وبما يضمن لهم العيش الكريم ونجاح الغاية من نظام تأقيت المناصب القضائية.