المكتبات العامة في الكويت… الواقع واستراتيجية لتطويرها

المكتبات العامة هي مؤسسة ثقافية تنشئها الدولة، وتزودها بكل المصادر من الكتب والمخطوطات والوثائق في جميع فروع المعرفة المطبوعة والإلكترونية، التي تعين المجتمع على كسب المعرفة والتثقيف الذاتي، والإحاطة بالمعلومات الجارية المتعلقة بالمجتمع وما يجري في العالم من أحداث وتطورات… وتقديم كل ذلك لجميع المواطنين دون مقابل، وبغض النظر عن الجنس أو السن أو النوع أو المستوى المهني والعلمي… فالمكتبات العامة هي مؤسسة شعبية تسعى إلى إنارة الطريق أمام الشعب وتثقيفه بأنواع الثقافات المختلفة والخبرات المتنوعة، وخلق المواطن المستنير القادر على خدمة نفسه وخدمة المجتمع الذي يعيش فيه، وهذا ما سعت إليه دولة الكويت بفتح المكتبات العامة بجوار الجمعيات التعاونية والمسجد في جميع المناطق لتكون قريبة من المواطن منذ القرن العشرين.

تقرير مفصل

ولقد ساد التفاؤل بهذه المكتبات بعد انتقال مسؤوليتها إلى مكتبة الكويت الوطنية، حيث تم تشكيل لجنة فنية منبثقة عن مجلس الخدمة المدنية (2021) (1)، وقد سعت هذه اللجنة إلى دراسة مفصلة عن مشاكل المكتبات العامة من المساحات والعاملين والتجهيزات، وقدمت تقريراً مفصلاً لتطوير هذه المكتبات وتشغيلها، إلا أنها مازالت تعاني من مشاكل كتب عنها كثير من المهتمين بالثقافة من قبل المتخصصين في علم المكتبات والمعلومات (2) أو من العاملين في هذه المكتبات أو من المهتمين بالثقافة والمعرفة والمهتمين من المسؤولين في دولة الكويت، ومن أهم المشاكل التي تواجهها المكتبات العامة:

1. عدم وجود رؤية واضحة بخصوص الدور الذي تلعبه وأي وظيفة تركز عليها في ظل تركة كبيرة من الإهمال الذي عانت منه خلال السنوات الماضية.

2. غياب الهيكل الإداري الذي يرعى التطورات الحديثة للمكتبات العامة.

3. عدم استقلالها من الناحية الإدارية والمالية.

4. تضخم أعباء العمل في هذه المكتبات، وما يقارب على 33 مكتبة (حسب تقرير اللجنة الفنية لتطوير المكتبات العامة) منتشرة بين مناطق الكويت، وكذلك مرت بفترات بعدم الاستقرار وتنقل مسؤوليتها بين وزارة التربية والمجلس الوطني للثقافة والفنون، فما زالت تعاني من قصور في أداء رسالتها.

5. غياب التشريعات القانونية للمكتبات، والذي نتج عنه نقص وتدهور في التنسيق والتعاون بين المكتبات في الكويت.

6. قلة المواد المكتبية والعاملين المهنيين المكتبيين المتخصصين والأثاث والأجهزة الحديثة.

استراتيجية التطوير

ومن الممكن إصلاح وتطوير المكتبات العامة، وذلك بوضع استراتيجية لتطويرها من خلال التالي:

1. إصلاح الوضع الإداري والتشريعات القانونية: ويتم ذلك بإصدار قانون بأن تكون مسؤوليتها أعلى مستوى في الدولة تحت مسؤولية رئيس الوزراء.

2. أن تختصر المكتبات العامة بدلاً من 33 مكتبة منتشرة في مناطق البلاد إلى خمس مكتبات عامة في كل محافظة، ويعاد تطوير هيكلها الإداري، وذلك بوضع تشريعات قانونية تنظم الوضع الإداري والوظيفي والخدمات التي تقدمها.

3. أن يخصص لها مبنى متميز وجذاب في وسط كل محافظة، ويتم تصميمها من مصممين متخصصين يراعى فيه التراث الشعبي على طراز حديث سواء صالات المطالعة أو القراء أو ترفيف الكتب أو المسرح (متعدد الأغراض) لعقد الندوات والمحاضرات والمؤتمرات وقاعات للأطفال.

4. إكساب المكتبة العامة صفة العمومية وتمييزها بخصائص عن سائر أنواع المكتبات منها:

• أولا: أن تكون عامة وتفتح أبوابها لجميع القراء دون تمييز على اختلاف أعمارهم ودرجات تعليمهم وألوانهم وجنسهم وهي من هذه الزاوية رمز حي لديموقراطية الفكر إذ هو حق للجميع.

• ثانيا: تضم خليطا من مواد نقل المعرفة البشرية في جميع العلوم والمعارف من ديانات إلى علوم اجتماعية إلى علوم بحتة… وغير ذلك، ليس كتبا فقط إنما أيضا دوريات ومواد سمعية وبصرية ومصغرات فلمية ومصادر إلكترونية.

• ثالثا: أن تقدم هذه الخدمات بالمجان ودون أي مقابل لأنها تتبع الدولة وحق لكل مواطن كسائر الخدمات، وهي لا تترك القارئ يسعى إليها فحسب بل تسعى إليه أيضا.

• رابعا: تشجع أفراد المجتمع على ارتيادها وليس ثمة إكراه على الدخول إليها على النحو الذي نصادفه في المكتبات المدرسية أو مكتبات الكليات أو المكتبات الجامعية فارتياد المكتبة العامة يخضع لرغبة الشخص في تثقيف نفسه.

لذا يجب أن تحظى المكتبات العامة في الكويت بتطوير وظائفها، بحيث تهتم بجميع مجالات المعرفة، ويكون لها أربع وظائف أساسية وهي:

• الوظيفة التثقيفية.

• الوظيفة التعليمية.

• الوظيفة الإعلامية.

• الوظيفة الترويحية.

فالمكتبة العامة تحرص على توفير الموارد وتقديم الخدمات التي تكفل للمستفيد منها التذوق الفني والجمالي، فضلاً عن التكيف مع ظروف المجتمع وهذه هي الوظيفة التثقيفية.

المكتبة العامة تحرص على توفير مقومات الإحاطة بالأحداث الجارية والقضايا التي تهم مجتمع المستفيدين

وللوظيفة التعليمية للمكتبة العامة جانبان أساسيان أولهما دور المكتبة في دعم وظيفة المكتبة المدرسية، أما الجانب الثاني فيتمثل في دور المكتبة العامة في تعليم الكبار، وتزويد المكتبات العامة بأحدث الأجهزة التكنولوجية لتتماشى مع التطورات الحديثة في توفير المصادر الإلكترونية.

لم يسبق للخدمات المكتبية المقدمة للأطفال أن تحظى بالأهمية في أرجاء العالم كما يحدث اليوم، فقد أصبح من أولويات المجتمعات في كثير من الدول إتاحة المعرفة والثراء الناتج عن التعدد الثقافي، وسبل التعلم مدى الحياة. لذلك أصبحت الخدمات المكتبية المقدمة للأطفال تحظى بأهمية كبرى في أرجاء العالم.

ففي الولايات المتحدة الأميركية قام قسمان من جمعية المكتبات الأميركية (قسم المكتبات العامة، وقسم مكتبات الأطفال) بإقامة ورشات عمل لأولياء أمور الطلبة تسعى إلى إعدادهم، كمدرسة أولى لأبنائهم ـ لتحمل مسؤوليتهم، والقيام بدورهم كتربويين وناقدين.

يجب أن تحظى المكتبات العامة في الكويت بتطوير وظائفها بحيث تهتم بجميع مجالات المعرفة

وعمل قسم الأطفال في جمعية المكتبات الكرواتية لمدة ثلاث سنوات على مشروع «اقرأوا لهم القصص منذ نعومة أظافرهم»، مدعما بزيارة مكتبيين متخصصين من مكتبات الأطفال، للمكتبات البلدية ودور الحضانة. يشرحون للموظفين والأولياء الطرق المختلفة للقراءة بصوت عال، ومدى أهمية قراءة القصص للطفل منذ ولادته، وتقديم الكتب المصورة الممتازة له.

وفي كاتالونيا بإسبانيا شاركت العديد من المكتبات العامة في برنامج «وُلدُوا ليقرأوا» لتشجيع المطالعة، حيث امتد المشروع من عام 2005 إلى عام 2007، وشمل كل الأطفال المولودين منذ عام 2005 في البلديات التي تنتمي إلى الخطة النموذجية، أما في السويد فيوجد في معظم المكتبات العامة رَفٌ من الكتب للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة يسمونه «رف التفاح».

وبمبادرة من مؤسسة سيؤل لمكتبات الأطفال والآداب، تم البدء بمشروع محترفات الحكايات «الجدات الجميلات» المدعم من خلال منحة لنساء سيؤل. تُعلم فيه الجدات كيفية رواية القصص بصوت مرتفع، وغناء الأغنيات.

الإحاطة بالأحداث الجارية

أما ما يتعلق بالوظيفة الإعلامية فإن المكتبة العامة عادة ما تحرص على توفير مقومات الإحاطة بالأحداث الجارية والقضايا التي تهم مجتمع المستفيدين.

أبرز المشكلات التي تواجهها غياب الهيكل الإداري الذي يرعى التطورات الحديثة وعدم استقلالها من الناحية الإدارية والمالية

الوظيفة الترويحية لهذه المكتبات تتمثل في حرصها على اقتناء المواد التي تفيد أفراد المجتمع في قضاء وقت الفراغ، سواء كانت هذه المواد من الكتب أو المجلات العامة أو المطبوعات بوجه عام، أو التسجيلات السمعية والبصرية، ولا تقتصر مهمة المكتبات العامة على الأنشطة القرائية وإنما تحرص بعض المكتبات الآن على تهيئة مقومات الأنشطة الثقافية الأخرى، كالندوات والمحاضرات والعروض المسرحية والحفلات الموسيقية… إلى آخر ذلك من الأنشطة المرتبطة بأهداف هذه الفئة من المكتبات التي تلبي احتياجات بعض الفئات كالمعاقين والأميين.

• المراجع

• 1. المكتبة الوطنية. لجنة لتطوير المكتبات العامة تقرير لجنة تطوير المكتبات العامة. 2023.

• 2. الحمود. نهلاء (2007). «مستقبل المكتبات العامة في دولة الكويت». – دراسات عربية في المكتبات وعلم المعلومات: مج 12، ع3.- ص ص 149-199.

• د. محمد غربي. (2022) Children’s library in the public libraries project: a leading experience. مجلة جيل العلوم الإنسانية والاجتماعية. العام التاسع – العدد 84. – 89-100.

 

المصدر: الجريدة
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments