المشيمة الصناعية، أو الرحم الصناعي، ربما تنقذ حياة الأطفال المبتسرين، لكن ما هي الاعتبارات الأخلاقية الواجب مناقشتها قبل الخوض في التجارب؟
تبدو الفكرة كما لو كانت مأخوذة عن أحد أفلام الخيال العلمي – حيث تُنتزع أجنّة من أرحام الأمهات لتوضع عوضاً عن ذلك في أكياس مملوءة بسوائل.
لكن هذا بالضبط ما يفعله علماء بأجنّة تواجه خطر الابتسار الحادّ، في مستشفى بولاية بنسلفانيا الأمريكية.
ويعكف هؤلاء العلماء على تطوير ما يشيرون إليه باسم “رحم صناعي”، ولا يرتجى من هذا الرحم الصناعي أن يحتضن نمو الجنين من بداية الحمل حتى الولادة، ولكنْ أن يساعد في تعزيز حظوظ الأطفال المبتسرين في البقاء على قيد الحياة.
ومن بين المشكلات قصيرة المدى التي عادة ما تطرأ على هؤلاء الأطفال المبتسرين، ما يعرف باسم “الالتهاب المعوي القولوني الناخر”، وهو مرض خطير تلتهب فيه أنسجة في الأمعاء قبل أن تبدأ في الموت.
ويكون المولود في هذه السن فريسة سهلة للعدوى، ولانخفاض ضغط الدم بشكل مهدِّد للحياة قد ينجم عنه تلف الرئتين والكلى والكبد وأجهزة أخرى.
وحتى الأجهزة المعدّة طِبقا لأحدث التقنيات من أجل إنقاذ حياة هؤلاء الأطفال المبتسرين -كأجهزة التنفس والدعم بالأكسجين- يمكن أن تضرّ رئاتهم الضعيفة.
يقول جورج ميخاليسكا، أستاذ الجراحة وطب التوليد بجامعة ميشيغان: “في هذه السن المبكرة (22 أسبوعا من الحمل) لا يكون نموّ الرئتين قد اكتمل بعد ومن ثم ينبغي ملؤهما بسائل. ولكن في حالات الابتسار الحادة، نضطر إلى وضع أنبوب في القصبة الهوائية للمولود ونضخّ عبر هذا الأنبوب هواء وأكسجين إلى الرئتين ويتسبب ذلك في إحداث جُرح”.
ويضيف ميخاليسكا: “مع مرور الوقت، تتقرّح الرئتان، ويصاب الطفل بمرض رئوي مزمن. وعادة ما يحتاج هؤلاء الأطفال بعد أن يغادروا المستشفى إلى العلاج بالأكسجين بقية حياتهم”.
ويزيد خضوع الطفل المبتسر للتنفس الصناعي من فُرص الإصابة بالعمى، والسبب في ذلك هو أن الأوعية الدموية التي تغذي شبكية العين لا يكتمل نموها إلا قُرب موعد الميلاد.
وثمة ثلاثة فِرق تعكف على تطوير تقنية المشيمة الصناعية أو الرحم الصناعي. وتستلهم الفِرق الثلاثة تقنية علاجية قائمة بالفعل تعرف باسم “الأكسجة الغشائية خارج الجسم” أو دعم الحياة خارج الجسم، وهو نوع من الدعم الصناعي للحياة يمكن أن يساعد شخصا لا تعمل وظائف رئتيه وقلبه بالشكل اللازم.
وفي تقنية الأكسجة الغشائية خارج الجسم، يتم ضخ الدم خارج جسم المريض إلى آلة تقوم بإزالة ثاني أكسيد الكربون بينما تضيف الأكسجين، ثم بعد ذلك يُعاد إرسال الدم المؤكسد إلى أنسجة الجسم.
وبهذه الطريقة يُسمح للدم أن يتجاوز القلب والرئتين؛ فلا يمر من خلالهما، بما يسمح لهما بالراحة والشفاء. وعلى الرغم من أن تقنية الأكسجة الغشائية خارج الجسم يمكن أن تُستخدم مع أطفال كبار، إلا أنها مناسبة كذلك مع حالات الابتسار الحادة.
وتحاول الفِرق الثلاثة تطوير نسخة معدّلة وأصغر حجماً من هذه التقنية.
“إجراء العملية القيصرية في هذا الوقت المبكر (22 أسبوعا من الحمل) لا يتم بالطريقة نفسها كما في العمليات القيصرية عند تمام نمو المولود (40 أسبوعا)”، بحسب ما تقول أخصائية الأطفال حديثي الولادة ستيفاني كوكورا في مقالة حديثة.
وتوضح كوكورا: “تشتمل العملية على عمل شق في الطبقة العضلية للرحم، مما قد يترك أثرا على الحمل مستقبلا”.
وثمة مخاطر أخرى ترتبط بهذه العملية مقارنة بالولادة الطبيعية، مما يتطلب موافقة مسبقة من الأُم والأب.
تقول كوكورا: “لنتخيل زوجين يواجهان هذا الموقف الصعب، وقد علما للتوّ أيّ مصير بائس ينتظر طفلا يولد بعد 22 أسبوعا فقط من الحمل، ولربما يتوق هذان الزوجان إلى الاستعانة باكتشاف جديد حتى لو كان هذا الاكتشاف لم يُختبر بعد. إن الوالدين يُقدمان على أي شيء من أجل طفلهما”.
وثمة اعتبار آخر يتمثل في أنه عند استخدام هذه التقنية الحديثة ونقْل الجنين بشكل فوري من رحم أمه إلى رحم صناعي، لا توجد فرصة لتقييم الوضع الذي كان يمكن أن يصير إليه هذا الطفل في حال خضوعه للعلاج التقليدي.
لكن على الرغم من ذلك، يعتقد جورج ميخاليسكا، أستاذ الجراحة وطب التوليد، أن تقنية الرحم الصناعي يمكن أن تكون نافعة، لا سيما في حالات الابتسار الحادة ( الولادة بعد 22 أسبوعا فقط من الحمل) والتي تشهد معدلات مرتفعة من الوفيات وتدهور الحالة الصحية للمواليد.
يقول ميخاليسكا: “أعتقد أن هذه التقنية ستُحدث ثورة في عالم طب الأطفال حديثي الولادة، وأن المشيمة الصناعية أو الرحم الصناعي ستكون أمرا مألوفاً في الممارسات الطبية”
ويستدرك ميخاليسكا بالقول: “لكن المخاطر المحتملة تتطلب القيام بالمزيد من الاختبارات والتجارب حتى الوصول إلى نتائج مطمئنة”.
وحال نجاحها، ستقدم هذه التقنية شريان حياة جديد للأطفال المبتسرين وأملاً جديدا لأباء هؤلاء الأطفال.