قبل نصف قرن فقط، كانت الرحلات الفضائية لكوكب المريخ مادة للخيال العلمي.
أما اليوم، فإن العلماء يفكرون جدياً بطبيعة المهارات التي سيحتاجها المستعمرون المستقبليون للكوكب الأحمر، وكيف سيبقى الأشخاص على قيد الحياة خلال الرحلة الطويلة إلى هناك، وكيفية تجهيزهم لمواجهة ظروف قاسية غير صالحة للسكن.
إن الأمر يحتاج إلى نوع خاص من البشر لكي يكون قادراً على العيش على المريخ. فكيف يمكن لرواد الفضاء أن يتعاملوا مع الوضع؟
وللإجابة على هذه الأسئلة، انطلق أربعة رواد أمريكيين هم كيلي هاستون، روس بروكويل، ناثان جونز وأنكا سيلاريو، في 25 يونيو/ حزيران عام 2023، في رحلة إلى الفضاء.
وخلال العام المنصرم، كان العلماء يراقبون المشاركين في هذه المهمة عن بُعد، ويعطونهم بين الفينة والأخرى مهام ويجمعون البيانات باستمرار عن صحتهم الذهنية والجسدية.
شاهد الأشخاص الأربعة الذين يعيشون التجربة، السماء آخر مرة قبل أكثر من عام.
ولم يكن هناك نقص في المتقدمين لخوض التجربة، فقد قُدم أكثر من 10,000 طلب من أجل أربعة شواغر “لمتطوعي المريخ” كانت ناسا قد أعلنت عنها.
والهدف العام للمهمة هو دراسة التأثيرات النفسية والبدنية لرحلات الفضاء الطويلة (أقصر رحلة إلى المريخ قد تستغرق تسعة أشهر في الذهاب ومثلها في الإياب) والعزلة الاجتماعية شبه الكاملة على البشر.
تبلغ مساحة الوحدة المريخية التي تحاكي سطح الكوكب الأحمر 160 متر مربع تقريباً (1722 قدم مربع) وقد تم بناؤها باستخدام الطابعة ثلاثية الأبعاد.
وسيتعين على المستعمرين أن يتدبروا أمرهم باستخدام مواد متوفرة على المريخ وهي الغبار والرمال.
ويُؤمل بأن تشكل هذه المواد أساساً للمادة اللازمة لطباعة وحدات فضائية بالأبعاد الثلاثية.
“…هيوستن، لدينا مشكلة”
تقول سوزان بيل، رئيسة مختبر الصحة والأداء السلوكي في مركز جونسون الفضائي التابع لناسا، إن من المستحيل عمل استنساخ كامل لظروف الكوكب الأحمر القاسية على الأرض.
لكن برنامج “تشابي” يبذل قصارى جهده لإعداد المستعمرين المستقبليين لمواجهة مجموعة متنوعة من التحديات التي سيواجهها الطاقم لا محالة خلال الرحلة الحقيقية إلى المريخ.
وطوال العام، تناول المشاركون أطعمة حصرية يمكنها أن تتحمل رجحلات الفضاء الطويلة (أي الأطعمة المعلبة) وأطعمة زرعوها بأنفسهم في “دفيئة مريخية” صممت خصيصاً لهذا الغرض.
وإحدى المشاكل الرئيسية التي ستواجه الطاقم في الحياة الواقعية (والتي تم استنساخها في التجربة) تتمثل في التأخير الهائل في الاتصالات بسبب المسافة بين المريخ والأرض.
ويستغرق الاتصال العائد نفس القدر من الوقت، وهو ما يعني أن الحصول على إجابة لسؤال ما قد يستغرق قرابة 45 دقيقة.
وقد صمم المنظمون التجربة لكي تضم مصاعب غير متوقعة ومواقف غير لطيفة- ابتداء من الاتصالات السمعية المعطلة والمتقطعة إلى التعطل المفاجئ للمعدات الصغيرة.
ووفقاً لسوزان بيل، فإن هذا الأمر ضروري من أجل اختبار ردة فعل الطاقم على التوتر في ظروف العزلة التامة.
وكان يتعين على المتطوعين أن يحوزوا على الأقل على درجة الماجستير في العلوم الطبيعية من أجل المشاركة وأن يكون لديهم إما تجربة في قيادة الطائرة أو أكملوا تدريباً عسكرياً.
كيلي هاستون، التي أصبحت قائدة الفريق، هي طبيبة مدربة متخصصة في تطويرعلاجات بالخلايا الجذعية للأمراض.
أما السيد بروكويل فهو مهندس تصميم، والسيد جونز هو مسعف عسكري عمل في خدمة الإسعاف والسيدة سيلاريو عالمة أحياء دقيقة لديها خبرة بالعمل في البحرية الأمريكية.
ولضمان أن يكون الطاقم لائقاً للبرنامج، خضع جميع أفراده للاختبارات الجسدية والنفسية نفسها التي يخضع لها رواد الفضاء المحترفين.
يعتقد أولئك اللذين يؤيدون فكرة إرسال بعثات بشرية إلى المريخ بأن البيانات التي يتم الحصول عليها من تجربة “تشابي” ستساعد في تطوير تقنبات وأساليب جديدة لتدريب رواد الفضاء، ما يساعد في جعل السفر طويل المدة إلى الفضاء آمناً وفعالاً.
لكن الكثير من المنتقدين يعتقدون أن هذا النهج مفرط في التفاؤل. وهم يشككون في الحاجة إلى رحلات مأهولة إلى المريخ من أصله، معتبرين أنها خطرة للغاية وباهظة التكلفة.
وفي نهاية المطاف، فإن الغالبية العظمى من المهام التي ستوكل إلى المستعمرين المستقبليين يمكن أن يقوم بها أيضاً الإنسان الآلي (الروبوت)- بتكلفة أقل بكثير وبدون أي خطر على حياة البشر.
وهذه المخاطرة، ببساطة، عالية. وكما يشير ليف زيليني، المدير العلمي لمعهد بحوث الفضاء ونائب رئيس أكاديمية العلوم الروسية، فإن برنامج “تشابي” لا يجيب عن السؤال المتعلق بكيفية نقل الأشخاص إلى المريخ بأمان.
ويقول زيليني إن الحلول الفنية لحماية رواد الفضاء من الأشعة المؤذية لم يتم اختراعها بعد وبالتالي فإنه متشكك بشأن “التدريب المريخي”.
ويعلق قائلاً: “دعهم يتدربون… ويغسلون أسنانهم بالفرشاة… فهذا لن يضر بأي حال.”