كان بول ألكسندر في السادسة من عمره عندما استيقظ مذعوراً ليجد نفسه داخل أنبوب معدني كبير، لا يبرز منه سوى رأسه.
لم يكن يستطيع الحركة ليشعر بما يحيط به، وعندما حاول طلب المساعدة اكتشف أنه لا يستطيع حتى إصدار صوت.
نجا بول في طفولته من نوبة خطيرة من شلل الأطفال، لكنها أصابته بالشلل الرباعي. فقد تمكن الأطباء من إجراء عملية طارئة لإزالة جزء من القصبة الهوائية، لكنه لم يتمكن من التنفس بدون جهاز الرئة الحديدي الذي يغطي جسده الصغير حينها.
وعندما توفي مؤخرا، كان عمره يناهز 78 عاماً، أي أنه أمضى أكثر من سبعة عقود مستخدما رئته الحديدية، وهي أطول فترة يقضيها شخص في التاريخ.
في عام 1952 وفي مستشفى في تكساس، كان بول محاطاً بأطفال آخرين يعانون من نفس المشكلة. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن واحدة من كل 200 حالة إصابة بشلل الأطفال تؤدي إلى شلل لا شفاء منه. ومن بين المصابين بالشلل، يموت 5-10 في المئة لأن عضلات التنفس تصبح غير قادرة على الحركة.
ودفع ذلك والديه إلى اتخاذ القرار الشجاع بأخذه مع رئته الحديدية إلى المنزل، ليعيش باقي أيامه بسلام كما قال له الأطباء. ولكن بدلاً من الاستسلام للموت، تحسنت نفسية وصحة بول وأصبحت عزيمته أقوى، بمجرد أن عاد إلى المنزل تحت رعاية والديه.
تستخدم الرئة الحديدية نظام الضغط السلبي. إذ يعمل منفاخها بمحرك كهربائي، يمتص الهواء من الأسطوانة، ما يخلق فراغاً حول جسم المريض ويجبر الرئتين على التمدد واستنشاق الهواء. وعندما يتم السماح للهواء بالدخول مرة أخرى، فإن نفس العملية العكسية تجعل الرئتين تنكمش.
وبمرور الوقت، تعلم بول أن يتنفس عن طريق ابتلاع الهواء، مستخماً عضلات حلقه لدفع الهواء إلى رئتيه. وقد أطلق على هذا النوع من التنفس اسم تنفس الضفدع.
وأوضح شقيقه الأصغر، فيليب، لبي بي سي، أن الوعد الذي قطعه والداه له بشراء جرو صغير، أعطى بول الحافز ليكون شجاعاً، ولمحاولة قضاء بعض الوقت خارج الرئة الحديدية لتعلم تقنية التنفس البلعومي اللساني المعقدة، وهو المصطلح الطبي للتنفس الضفدع.
يقول فيليب “كان خائفاً بالطبع من الاختناق حتى الموت. لكنهم قالوا له إذا بقيت ثلاث دقائق، فسوف تحصل على الكلب الصغير الذي تريده”. وقد نجح بالفعل.
يقول فيليب “لقد كان مجرد أخ عادي بالنسبة لي. لقد تشاجرنا، ولعبنا، وأحببنا، واحتفلنا، وذهبنا إلى الحفلات الموسيقية ماً – لقد كان مجرد أخ عادي بالنسبة لي”.
أنهى بول دراسته في المنزل وحصل على شهادة جامعية قبل أن يضع نصب عينيه الالتحاق بكلية الحقوق.
يتذكر فيليب الوقت الذي قضاه بول في جامعة تكساس في أوستن ويصفة بـ”المذهل”. فقد ساعده والداه على الانتقال للعيش بمفرده في الجامعة بالرئة الحديدية، بمساعدة محدودة في البداية من مقدمي الرعاية.
يقول فيليب “لم يرافقه فعلياً أي مقدم رعاية. لقد بقي في السكن الجامعي واعتنى به أشخاص مختلفون”.
مارس بول المحاماة في وسط مدينة دالاس. كان عليه أن يتعامل مع مفاجأة العملاء عند دخولهم مكتبه ورؤيته داخل الرئة الحديدية.
عاش بول بمفرده معظم حياته البالغة، وهذا ليس بالأمر الهين بالنسبة لشخص غير قادر على رعاية احتياجاته الإنسانية الأساسية مثل استخدام المرحاض أو الحصول على مشروب بمفرده.
يقول فيليب إنه أصبح سيد وضعه الخاص، ما ساعد الناس على مساعدته.
ويضيف “كانت معظم الرعاية أساسية – الحلاقة والتغذية على سبيل المثال. ولكن لتحريكه كان عليك توخي الحذر حتى لا تتسبب في إصابة أو إيذاء أصابعه وما إلى ذلك.”
لم يكن هناك دليل تعليمات لأولئك الذين تقدموا لإعلانات وظيفة تقديم الرعاية لبول.
يقول فيليب: “لقد عرفوا ما يجب عليهم فعله أثناء لقائهم بول. وغادر الكثيرون منهم بعد يوم أو يومين. أتذكر أنني ذهبت ذات مرة وسألت شخصين يعملان في مراكز المعيشة المدعومة عما إذا كان بإمكانهم الاعتناء به، وكانت النظرات على وجوههم لا تقدر بثمن”.
يقول فيليب إنه كان يرى نفسه دائماً كمقدم رعاية احتياطي لأخيه، لكنه أعجب بنظام الدعم الذي أنشأه بول: “كان لديه الكثير من الأصدقاء الرائعين، وبعض الأشخاص الرائعين حقاً في حياته”.
المساعدة مطلوبة
لقد جاء أحد هؤلاء الأشخاص إلى حياة بول في لحظة حاجة ماسة إليه.
ففي عام 2015، بدأت رئته الحديدية بالتسريب. ونظراً لأن الآلات من هذا النوع أصبحت الآن نادرة للغاية، دخل بول في سباق مع الزمن للعثور على شخص قادر على تنفيذ مهمة إصلاح الرئة الحديدية لجعلها محكمة الإقفال مرة أخرى.
وبعد نشر المناشدة على وسائل التواصل الاجتماعي، جاءت الردود من جميع أنحاء العالم. ولكن تبين أن الحل كان قريباً جداً.
فعلى بعد عشرة أميال من شقة بول في دالاس، كان هناك مختبر بيئي تابع لشركة المتانة الميكانيكية، يملكه برادي ريتشاردز.
كان المسعف ينقل بول من وإلى المستشفى، بينما كان مقدمو الرعاية يبذلون قصارى جهدهم لإبقائه على قيد الحياة في الرئة الحديدية المعطلة. حتى وصل الخبر إلى ريتشاردز.
يقول ريتشارد “لم تكن لدي أي فكرة عن بول ألكسندر في ذلك الوقت. وعندما علم بحالة الطوارئ، شرع على الفور في إعادة بناء إحدى الآلات المكسورة التي كانت لديه في مستودعه.
لقد بنى بعض الأجزاء من الصفر واستخرج أجزاء أخرى من أجهزة أخرى، واكتسب خبرة وهو يعيد البناء. فالرئتان الحديديتان عبارة عن آلات قوية جدا صممت لتدوم.
وبمجرد أن أصبحت الآلة المجددة جاهزة، استبدلها ريتشاردز بالآلة التالفة في شقة بول. ورفض اخذ أي أموال مقابل عمله.
لكن ذلك لم يكن نهاية القصة. ففي وقت لاحق من تلك الليلة، تلقى ريتشاردز مكالمة هاتفية من مقدم رعاية بول ليخبره أن الجهاز لا يعمل.
عاد ريتشاردز إلى شقة بول وأدرك بسرعة أن طوق الرقبة لم يكن مربوطاً بشكل صحيح وقد انفك.
ويتذكر ريتشاردز قائلاً: “كان بول يقول: أنا بخير، أنا بخير، بينما كنا نعمل على تصحيح المشكلة. والحقيقة هي أن لونه كان يتحول إلى اللون الأزرق”.
وفي لحظات اليأس هذه، تمكن بول من الوصول إلى المزيد من أجهزة التنفس المحمولة، والتي تستخدم نوعاً مختلفاً من التكنولوجيا المستخدمة في الرئة الحديدية.
ويوضح الدكتور باتريك ميرفي، المستشار السريري الرئيسي في وحدة لين فوكس للجهاز التنفسي في مستشفى سانت توماس، في لندن: “يمكن لأجهزة التنفس ذات الضغط الإيجابي أن تجعل المريض يشعر وكأن رأسه خارج نافذة السيارة. والجميع لا يحب هذا الإحساس”.