- السجاري لـ «الأنباء»: الانتحار أصبح أشبه بـ«الترند» وأي شخص يواجه مشكلة يفكر في إنهاء حياته
- العلي لـ «الأنباء»: البيئة الاجتماعية الخانقة تؤذي شخصية الفرد وتمنعه من تحقيق ذاته
- الشمري لـ «الأنباء»: الانتحار يعدّ عدواناً وبغياً ومن كبائر الذنوب التي شنّع الله شأنها
أجرت التحقيق: آلاء خليفة
الانتحار والتفكير في الموت وإنهاء الحياة لأسباب مختلفة ليست بالأمر الغريب على المجتمعات سواء الغربية أو العربية لكن بعدما أصدرته مؤخرا النيابة العامة في إحصائية حول قضايا الانتحار والشروع فيه الواقعة خلال عام 2022 والتي خلصت نتائجها الى ان المتزوجين أكثر إقداما على الانتحار، وأن أكثرية من لجأوا إلى الانتحار هم من فئة الشباب، أمر يستدعي الوقوف لمناقشة تلك الظاهرة، ما الأسباب التي أدت إلى زيادة حالات الانتحار في المجتمع ولماذا زادت النسبة بين الشباب بهذا الشكل الكبير؟
والكثير من الأمور التي كانت تحتاج إلى آراء المتخصصين من أساتذة علم النفس وعلم الاجتماع وعلماء الدين، وهذا ما قامت به «الأنباء» في هذا التحقيق الصحافي واليكم الآراء:
بداية ذكرت القائم بأعمال عميد كلية العلوم الاجتماعية وأستاذة الانثروبولوجيا بقسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بجامعة الكويت د.مها السجاري لـ «الأنباء»: ان الانتحار موضوع قديم كان يرتبط في السابق بالجوانب الروحانية والجوانب الدينية وتتطور الى ان أصبحت فكرة الانتحار مثل «الترند» فأي شخص يواجه مشكلة نفسية او اجتماعية او مالية او تعليمية يفكر في الانتحار لإنهاء حياته.
ولفتت السجاري الى ان هناك عدة أسباب وعوامل تؤدي إلى الانتحار، موضحة ان في السابق كان هناك الجانب الديني والجانب الاجتماعي الأسري هما العاملين اللذان يشكلان صمام الأمان لأي مشاكل نفسية أو اجتماعية يواجهها الفرد فكان الأهل والجيران والأصدقاء يساعدون الفرد في مواجهة تلك المشاكل لكن مع التطور والتأثر بالفكر الغربي عن طريق وسائل الإعلام والتعليم والسفر والاحتكاك بالآخرين اكتسبنا الثقافة الغربية فأصبح الفرد منفردا منعزلا وحيدا يواجه المشاكل بنفسه دون وجود أي دعم من الآخرين بالإضافة إلى دور الوازع الديني والإيمان بالقضاء والقدر وأن مع العسر يسرا.
وأفادت السجاري بأن هناك عدة عوامل تجتمع معا وتؤدي بالفرد للتفكير في الانتحار وإنهاء حياته، موضحة أن بعض الدراسات تقول ان محاولة الانتحار فكرة آنية لحظية تأتي للفرد في لحظة لإنهاء حياته ومدارس أخرى تؤكد أن الانتحار يكون بالتخطيط وتفكير مسبق واختيار الوقت، موضحة ان من ابرز عوامل الانتحار الجانب النفسي تنه قد يكون الشخص مصابا بأمراض نفسية ويعاني من اضطرابات نفسية، لافتة الى ان الجانب النفسي قد يكون وراثيا أو مكتسبا.
وأشارت الى العامل الاجتماعي المتمثل في دور الاسرة وهل يعيش الفرد في اسرة متفككة ام متماسكة وهل يعاني من التنمر او العنف بالإضافة الى الجانب الديني الروحاني والإيمان بالقضاء والقدر وهل الفرد يعي ان تعرضه لأي ظرف طارئ يعني انه ابتلاء من الله عزّ وجلّ، وان الله سيعوضه خيرا، وان عليه الصبر واحتساب أجره عند الله وان يلتزم الصلاة والعبادات والصدقات وكل ما يقربه من الله عزّ وجلّ.
الصدمات النفسية
من جانبه، ذكر أستاذ علم النفس بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت د.طلال العلي لـ «الأنباء»، أن أغلب الأشخاص المنتحرين هم ضحايا مجتمعهم واسرهم والكثير منهم يعاني من اضطرابات نفسية، لافتا الى ان البيئة الاجتماعية الخانقة التي تؤذي شخصية الفرد وتمنعه من تحقيق ذاته من أهم أسباب الأمراض النفسية ومن اهم أسباب الانتحار، بالإضافة الى ان الإهمال والصدمات النفسية يجعلان الشخص اكثر عرضة للمشاكل النفسية والاجتماعية وأقل رغبة في الحياة.
واستطرد العلي قائلا: أيضا عند الحديث عن الانتحار من المهم أن نفهم أن الكثير من الأشخاص ينهون حياته بشكل غير مباشر كقيادة السيارة بشكل متهور وتعمد عمل حادث وأيضا تعاطي جرعات زائدة.
متابعا: إذا بدأنا التعامل مع المرض النفسي بشكل علمي وتطورت نظرة المجتمع للفرد والعلاقات بين الأفراد سنستطيع التقليل من الانتحار ومن الاضطرابات النفسية مع التأكيد علي التعليم وفتح المجال للشباب لتحقيق ذاتهم وبناء مستقبلهم.
كبائر الذنوب
بدوره، أوضح الإمام والخطيب بوزارة الأوقاف سعد الشمري لـ «الأنباء»، أن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن جملتها الانتحار – الذي يعد عدوانا وبغيا – من كبائر الذنوب التي شنع الله شأنها وقبح من فعلها وتوعده بعذاب شديد وتهديد أكيد، ولا يقدم على هذه الكبيرة إلا من نقص إيمانه، ورق دينه، وضعف يقينه، ولهذا عندما يقرأ المرء قول الله تعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا» وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم «من تردى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سما فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا»، يكون من أشد الناس بعدا وخوفا من عذاب الله تعالى، ويعلم أن هذا من عمل الشيطان ونزغاته ووسوسته، فإنه لايزال بالمرء حتى يوقعه في المهالك.
وتابع الشمري قائلا: ليعلم المسلم أن هذه النفس التي بين جنبيك ليست ملكا لك، وهي من أعظم الأمانات التي اؤتمنت عليها، وأنت مسؤول عنها، ما يوجب عليك المحافظة عليها والعناية بها والبعد عن كل ما يعطبها أو يهلكها.
والدافع لهذا الفعل المشين والكبيرة العظيمة هو ضعف الوازع الديني وخلو القلب من أعماله الصالحة التي يعمر بها من محبة الله وخشيته والطمع في رحمته والصدق معه والإخلاص له، وكذلك الإقدام على كبائر الذنوب والمعاصي – لاسيما المخدرات وآثارها والفواحش وقبحها وما ينتج عن أكل الربا من ضيق الحال – التي تظلم القلب وتضيق الصدر وتجعل المرء حبيس الأحزان والهموم والغموم، وكذلك ضعف عقيدة الإيمان بقضاء الله وقدره، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ومن ذلك عدم سلوك المنهج الصحيح عند حلول المصائب والنقم من التسليم لأمر الله والصبر على أقدار الله، والتوكل على الله والثقة به سبحانه واللجوء إليه والتضرع بين يديه، وعدم دعاء الله بالدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما يشتد على المرء الأمر ويعظم الكرب: «اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيرا له».
وأردف الشمري قائلا: من الناس ممن يندفعون إلى مثل هذه الأفعال لا يتعززون بأهل العلم والتوجيه والمشورة فيكتمون في صدورهم ما تضيق به حتى يقرروا قرارا من تلقاء أنفسهم ويعززه لهم الشيطان فيقعون في أوحاله ويوم القيامة يتبرأ منهم الخبيث، والمقصود أن هذا الأمر عظيم، وأرجو الله ألا يكون ظاهرة في بلاد المسلمين، ونصيحتي أن يقوم العلماء والموجهون والأئمة والمعلمون والتربويون في توجيه الناس وبيان شناعة الانتحار وبيان أسبابه وعلاجه وعاقبة أمره فالناس بحاجة ماسة إلى مثل هذه التوجيهات التي تعمق صلتهم بالله تعالى، وكذلك الوصول إلى غير المسلمين ودعوتهـــم إلى الإسلام الذي به انشراح الصدر، وتيسير الأمر، وتغذية الأرواح وتعليقها بالله العظيم.