أسطورة النعامة ودفن الرأس.. حقيقة أم وهم؟

 

عندما يبدي أحدهم موقفًا متخاذلًا أمام الخطر، فإن آخر قد يصفه بأنه «يخبأ رأسه في الرمال مثل النعام»، فلطالما اشتهر عن النعامة دفن رأسها في الرمال عندما تواجه خطرًا للتهرب من مواجهته، لكن هذا التصور القديم، الذي ألهم استخدام ذلك التعبير للإشارة إلى الهروب من المشاكل في الحقيقة ليس صحيحًا.

يُعتقد أن هذه الفكرة قد بدأت من زمن روما القديمة، حيث أشار المؤرخ الطبيعي الروماني بليني الأكبر إلى أن النعامة تُخفي رأسها في الشجيرات ظنًا منها أن باقي جسدها سيختفي معها، وقال في موسوعته «التاريخ الطبيعي» إنه «على الرغم من ضخامة جسدها، تتوهم النعامة أنها تختفي حين تدفن رأسها»، لكن هذه المعلومة غير دقيقة، بل تستند إلى سوء فهم لسلوك النعامة الفعلي.

تعد النعامة التي تستوطن إفريقيا، وتعيش في السهول والمروج والصحاري، أكبر الطيور في العالم، ويُمكن أن يصل طولها إلى نحو 2.7 متر ويبلغ وزنها 130 كيلوجرامًا، ورغم ضخامة جسدها، فإن رأسها صغير نسبيًا، لذا، قد تبدو من بعيد وكأنها تدفن رأسها في الرمال، لكنها في الحقيقة تقوم بسلوكيات طبيعية ترتبط بحياتها اليومية، وليس بالهروب من الأخطار.

عادات تفسّر الأسطورة

تبني النعامة أعشاشها بطريقة مختلفة عن كثير من الطيور، حيث تحفر حفرًا ضحلة في الرمال لتضع بيضها فيها، وفي هذه الحفر، يتناوب الأبوان على تدوير البيض عدة مرات يوميًا ليبقى دافئًا.، وعند النظر من مسافة بعيدة، قد يبدو كما لو أن رأس النعامة مدفون في الرمال.

كما أن النعامة تُبقي رأسها قريبًا من الأرض لفترات طويلة أثناء بحثها عن الغذاء، الذي يتنوع بين الأعشاب وأحيانًا الحشرات الصغيرة والحيوانات الصغيرة كالفئران والضفادع. هذه الوضعيات المختلفة قد تخلق انطباعًا خاطئًا بأنها تدفن رأسها.

كيف تتعامل النعامة مع الخطر؟

لا تحتاج النعامة للهرب من خطر ما بدفن رأسها، فهي تعتمد على سرعتها الفائقة وحواسها الحادة، حيث تُعد أسرع الطيور عدْوًا على اليابسة، وتصل سرعتها إلى 70 كيلومترًا في الساعة، ما يسمح لها بالهروب من معظم الحيوانات المفترسة كالفهود والأسود.

وإن لم تتمكن من الهرب، فتلجأ أحيانًا إلى الانبطاح على الأرض، ممددةً عنقها، ما يجعلها أقل ظهورًا بين الأعشاب، ويعتقد بعض الباحثين أن النعامة البالغة قد تخلق سحابة من الغبار بأجنحتها لتشتت انتباه المفترسين، وبالتالي تحمي صغارها من الخطر.

قدرة دفاعية فتاكة

وإلى جانب السرعة، تتمتع النعامة بقوة دفاعية كبيرة، إذ تستطيع بركلة واحدة قوية أن تصيب أسدًا بجروح قاتلة، وبذلك، تعتمد على قوتها الهائلة ووسائلها الدفاعية بدلًا من الهروب الوهمي عبر دفن الرأس.

وبناءً على هذه الحقائق، يمكن القول إن أسطورة «دفن النعامة رأسها في الرمال» لا أساس لها من الصحة، فبدلًا من الخداع أو الهروب، تستخدم النعامة استراتيجيات طبيعية للتأقلم والبقاء.

 

المصدر: العلم
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments