“مملوك” الفجيرة عاش حياة مذلة وقهراً موجعاً

انطلاقة عروض الدورة السابعة من مهرجان “الكويت الدولي للمونودراما”

فالح العنزي

دشنت هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام بدولة الإمارات عروض النسخة السابعة من مهرجان “الكويت الدولي للمونودراما” بالعمل المسرحي “المملوك” من تأليف وإخراج أحمد عبدالله راشد وتمثيل عبدالله علي الخديم، وهو مأخوذ عن نص “مغامرة رأس المملوك جابر” للكاتب السوري سعدالله ونوس، العمل لم يذهب بعيدا عن فكرة الصراع الأزلي بين الحاكم والمحكوم كعادة نصوص ونوس، وطبيعة العلاقة التي يراها الملك تصلح مع خادمه، أو الأميرة وكيف يجب أن تتعامل مع جاريتها، صراع يحتدم من خلال الشخصية الرئيسية، التي تستدعي شخوصا أخرى ليبدأ صراعا نفسيا جديدا في محاولة جيدة من المؤلف جر أقدام المتلقي للمنطقة، التي أوجدها لبطل مسرحيته، الذي يعيش هو الآخر حربا نفسية أخرى عشناها معه من خلال سينوغرافيا العرض المتمثل في كرسي وحيد يقع في منتصف خشبة المسرح وقد تم ربطه بحبل من كل جهة وكلا الطرفين “السيد والعبد” يجر الحبل، “الملك” لفرض سطوته و”الخادم” للتخلص من هذه السطوة والبطش المتوقع أن يحل بـ”المملوك”.
ويسعى المؤلف المخرج، التفنن في ايصال حالة القهر والغبن، التي يحياها “المملوك” نتيجة عيشه في قصر الملك، وان كان هذا القصر على رحابة مساحته الواسعة يظل محبسا ضيقا يكاد أن يخنق المملوك، كل لحظة وكل ساعة ويوم يمر على هذا المملوك، هو فصل حياة يتجدد فيها الألم والمعاناة والحسرة، وقد لاحظنا رغم هذه السوداوية في سيناريو الفكرة الا انه يمكن عدم اعتبار العمل سياسيا، بل كان المؤلف ذكيا في اللعب على هذا الوتر، واستطاع ان يصل به اجتماعيا الى بر الأمان، معتمدا على أداء ممثل شاطر، ومهندس إضاءة استخدم لغته في التعبير عن الحالات، التي يعيشها “المملوك” ومخرج “فاهم” كيف يحول مفردته المكتوبة إلى فعل مسرحي فوق الخشبة، هو يغضب، يصرخ، يتألم، يبكي، يضحك، ربما يجن عندما يمر من أمام عينيه مشاهده اليومية، التي لا تعرف الا عنوانا عريضا من ثلاث كلمات “الذل وانعدام الكرامة”.
يحسب للمخرج ليس فقط التعامل الجيد مع النص، بل الاستعانة بممثل “شاطر”، سبق له ان تصدى لنفس العرض في مهرجانات عدة من بينها “شرم الشيخ”، وبالتالي من الطبيعي أن نشعر باحترافية أدائه وقدراته المختلفة في الولوج من وإلى يومياته التعيسة، التي وصلت فعليا للمتلقي والتي كلما قرفنا منها تزداد ولا تريد أن تنتهي، اصطحبنا المخرج على مدار ساعة تقريبا في تحويلات ذكية من خلال خيالات المؤلف، التي اعتمد فيها بين لغتي الإضاءة والاداء التمثيلي على تحويل الكرسي تارة من سرير للنوم الى معشوقة.
العرض الإماراتي يمكن تصنيفه واحدا من أجمل عروض المهرجان بقدرات محترفة ورائعة.

“لالونا”… جزائرية تتجرع ثمن “الهجرة غير الشرعية”

ثاني عروض مهرجان الكويت الدولي للمونودراما، قدمته فرقة “موزاييك” بسيدي بلعباس الجزائرية، والذي سبق ان نال جوائز عدة لبطلته الممثلة سعاد جناتي، ومخرجه هشام بوسهلة، يرسم العرض معاناة امرأة بعد فقدان ابنها الوحيد منذ 30 سنة، وقد قام بتحريك النص وأداء العمل المونودرامي، الذي عرض في مسرح المتحف الوطني، محيي الدين بشطارزي.في هذا العرض يمكن اختزال نجاحه في الأداء المبهر للممثلة جناتي، قدرات خيالية وأداء تمثيلي اقشعر بسببه شعر أجنابنا، ممثلة تخلت عن التمثيل وقدمت إنسانية مطلقة موجعة مؤلمة في القهر، الذي تعيشه كأم مكلومة على مدى 30 عاما تبكي ولدها الوحيد، الذي غادرها نحو المستقبل المجهول بحثا عن حياة كريمة يريد ان يصنعها لوالدته “مريامة” هده المرأة بشخصيتها التائهة أو ربما التي تكاد أن تصل الجنون أو ربما هي فعلا مجنونة فقدت عقلها بعد تيه طويل، وقلبها لا يزال ينبض ويخبرها بأنه لا يزال حي يرزق في مكان ما، القرص الدائري العملاق الذي يدور خلفها هو القمر، الذي كان يحلم ابنها “موسى”، السفر إليه لكنه هنا بمثابة “التيه والأمل”، حيث تدور بها الدنيا قاطعة سنوات من عمرها، اجتاح الشيب رأسها وانحنى خط عمودها الفقري، وما يزال هناك بصيص أمل لشاب أراد الخروج من حياة الى حياة، ركب الأمواج في قارب وعيناه تشخصان نحو أفق يراه بعيدا يرفض قدره أن يصل به ومن معه من مهاجرين، ورغم درجات التفاوت بين أمل الرجوع وتلاشي ذلك غالبا ما تجد الأم في القمر ملاذا لها لعلها تمني نفسها بموعد مع الأوهام، فولدها وعدها بأنه سيزور القمر يوما ما وهي لا تزال تنتظره.اتسم العرض المونودرامي برؤية سينوغرافية دائرية من تصميم هشام بوسهلة، الذي كتب النص ايضا، تعكس صورة القمر لتغوص في دوامة الحياة ودورتها الرتيبة في أجواء البوح والغوص في قضية ضحايا الهجرة غير الشرعية في حلقة لولبية تحيلنا إلى نفس المكان.كما تميزت المونودراما، التي تفاعل معها الجمهور باقتصار العرض على مستوى الاضاءة والديكور، الذي جاء بسيطا لكن يتدفق بالدلالات على غرار الشباك، الذي يحيلنا الى الميناء والصيادين على إيقاع موسيقي خدم العرض الحزين.

 

المصدر: السياسة
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
يسعدنا مشاركتكم في التعليقاتx
()
x