كيف اكتشف المتحف البريطاني بعد عامين سرقة مجوهرات وبيعها على موقع التسوق “إيباي”؟

اشتبه جامع تحف دنماركي يدعى إيتاي غراديل، في عام 2020، بأن بائعا على موقع التسوق الشهير “إيباي eBay”، كان يشتري منه بعض المقتنيات، ليس سوى لص يسرق قطعا أثرية من المتحف البريطاني.

وأعلن المتحف بالفعل، بعد أكثر من عامين، أن آلاف القطع مفقودة أو مسروقة أو تالفة من مجموعته، وهو ما أكد شكوك غراديل أخيرا، ولكن لماذا استغرق الأمر كل هذا الوقت الطويل؟

الدليل الأول

يقول غراديل وهو جالس في مكتبه وتصطف على جانبيه خزائن لعرض التحف: “إن الأحجار الكريمة التي تبهرني ليست جافة مثال الألماس”، إذ يجمع الأحجار الكريمة القديمة المنحوتة بأشكال فنية أو زخارف معقدة، لكونها تساعد في رسم صورة لما كانت عليه الحياة في العالم القديم وغالبا ما كانت تستخدم كمجوهرات.

ويقول: “لم يكن هناك شك في أنها نفس القطعة، وكنت في حيرة من أمري”.

بدأ هيغز عمله في المتحف البريطاني عام 1993 كمساعد باحث، بعد أن درس علم الآثار في جامعة ليفربول، ويعيش في منزل عادي في هاستينغز على الساحل الجنوبي، وكان رئيس المتحف قد وصفه بأنه شخص “هادئ ومنطوي إلى حد ما”.

وفي غضون ساعات من تغير قائمة المعروضات على موقع إيباي في عام 2016، اعتقد المتحف أن هيغز قام بتسجيل حساب دخول إلى قاعدة البيانات وحاول التلاعب بكتالوج القطع الفنية.

غفل هيغز حقيقة أن القطعة كانت عنصرا مفهرسا، ويمكن البحث عنها من قبل الجمهور والعاملين على حد سواء، وكانت موجودة حتى على الموقع الإلكتروني للمتحف، ولم تكن من النوع الذي يمكن أن يختفي ولا يمكن ملاحظته.

ويقول المتحف، في الأوراق المقدمة في المحكمة، إن هيغز لو كان تلاعبه ناجحا، لكان استطاع إخفاء صورة قاعدة البيانات الخاصة بالنقش عن الأنظار، بيد أنه أخفق في ذلك.

وفي اليوم التالي، من المعروف أن هيغز يكون بمفرده في المخزن المحفوظ فيه القطعة، حسبما يقول المتحف، ومع ذلك فُقد شيء ثمين، وهو الحامل الذهبي للقطعة، إذ يعتقد المتحف أن هيغز أخذه وباعه لتاجر خردة.

وتقدر قيمة القطعة بنحو 15 ألف جنيه إسترليني، ويقول المتحف إن الثمن كان سيبلغ الضعف في حالة وجود الحامل الذهبي.

كتب غراديل إلى البائع “sultan1966″، الرجل الذي كان يعرفه باسم بول هيغنز، يسأله عن سبب سحب عرض قطعة بريابوس، فأجابه البائع قائلا إنه عرضها بالخطأ، وأن القطعة ملك أخته ولا تريد أن تبيعها.

سعى غراديل إلى عدم لفت انتباه ذلك البائع إلى ما يساوره من شكوك، بحجة أن ذلك كان سيجعله “يطمس آثار جريمته”، لذا قرر غراديل أن يراقبه ليعرف ما إذا كانت هناك أي قطع أخرى تابعة للمتحف قد ظهرت.

استغرق الوقت أربع سنوات قبل أن يظهر الدليل الثاني، عندما توصل غراديل إلى اكتشاف صادم.

في مايو/أيار عام 2020، لاحظ غراديل صورة في كتاب منشور حديثا عن الأحجار الكريمة، وكان الشكل الذي يحمل الرقم 736 عبارة عن جوهرة تصور رجلا يشبه الإمبراطور الروماني أوغسطس، وصُنفت على أنها من مقتنيات المتحف البريطاني، والشكل المرسوم على الجوهرة يظهر تسريحة شعر معتادة في تلك الفترة.

شك غراديل مرة أخرى، ورجع إلى سجلاته، وطابق الصورة الموجودة في الكتاب مع صورة يحتفظ بها على جهاز الكمبيوتر الخاص به لجزء من جوهرة الزيتون الأخضر، كان طرحها تاجر بريطاني يُدعى مالكولم هاي للبيع سابقا.

وقال هاي: “رد عليّ (نائب المدير) جوناثان ويليامز، وقال، بالطبع، لا توجد طريقة لتأكيد أي شيء في الوقت الحالي لأنه لا يمكن لأحد دخول المتحف”.

ولحسن الحظ، فإن الشخص الذي باعها لأول مرة لهاي كان صديقا مشتركا لغراديل، وهو صاحب معرض تحف ويُدعى رولف فون كيير، فاتصل به غراديل على الفور.

أجاب رولف بأنه اشترى جوهرة الزيتون الخضراء من على موقع التسوق إيباي قبل سنوات.

وسأله ما اسم البائع؟ أجابه “sultan1966”.

شكّ غراديل في هذه المرحلة أن يكون هناك خطأ ما، فبدأ في البحث في ملفات الكمبيوتر والسجلات الورقية لكل ما اشتراه من “sultan1966″، كما راجع قوائم إيباي والمراسلات وإيصالات المعاملات بدقة، والتي يعود تاريخها إلى أول عملية شراء له من “sultan1966” في عام 2014.

ويقول غراديل: “لابد من ربط إيصال (باي بال- PayPal ) بحساب مصرفي حقيقي، لذلك كان هذا هو اسمه الحقيقي”.

اتصل غراديل على الفور برولف فون كيير مرة أخرى: “قال لي (رولف) هل تعرف أن هذا هو اسم أمين المتحف البريطاني في قسم الآثار اليونانية والرومانية، أليس كذلك؟ أتذكر ذلك بوضوح، وصُدمت للغاية، صُدمت تماما بهذا”.

واصل غراديل، خلال الأيام اللاحقة، اكتشاف صلات جديدة بين البائع على الإنترنت وبيتر هيغز.

كما اكتشف أن “sultan1966” كان أيضا اسم حساب هيغز على تويتر، وأن عام 1966 هو العام الذي ولد فيه.

وأخيرا، عثر غراديل على إيصال من موقع إيباي لجوهرة اشتراها من “sultan1966″، وفيه العنوان الخاص به كاملا، وقرر غراديل التحقق من ذلك ومقارنته بسجلات الملكية، وكان الاسم هو بيتر هيغز، أمين المتحف البريطاني.

أصبح كل شيء الآن منطقيا بالنسبة لجامع التحف الدنماركي بفضل ذاكرته الفوتوغرافية.

وقال غراديل: “لم يكن هناك أي استنتاج آخر محتمل يمكن استخلاصه من هذا، وبدا الأمر كما لو أن أمين المتحف البريطاني كان يسرق متحفه الخاص”.

ونفى هيغز جميع التهم المنسوبة إليه أثناء دفاعه في الدعوى المدنية التي رفعها المتحف البريطاني ضده.

“جهود متقنة لطمس الجريمة”

 

المصدر: BBC
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments