كم عمر كوكب الأرض؟

إذا تخيلنا تاريخ كوكب الأرض كأنه يوم كامل فإن البشر لن يظهروا إلا في نهايته، أو بحسب تقويم كارل ساجان الكوني، فإنهم سيظهرون في الثواني الأخيرة قبل منتصف الليل، بمعنى آخر، على الرغم من أن وجود الإنسان على هذه الأرض يقدر ببضع مئات الآلاف من السنين، فإنه ليس إلا جزءًا ضئيلًا من تاريخ كوك الأرض الطويل.

تقويم كارل ساجان الكوني هو طريقة مبتكرة لتصور عمر الكون الهائل في إطار زمني مألوف للإنسان، بدلاً من التعامل مع أرقام ضخمة مثل مليارات السنين، لكن الأرض تشكلت في الواقع قبل حوالي 4.54 مليار سنة، أي بعد 10 ملايين سنة من ولادة النظام الشمسي، إذ اندلعت سحابة هائلة من الغاز لتكون الشمس، وتركت وراءها قطعًا صغيرة تشكل الكواكب.

من البيتزا إلى بساط أخضر

يصف مارك بوبينشالك، وهو عالم فلك في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي، هذه العملية قائلًا: “أتصور الأنظمة الشمسية المبكرة كأنها بيتزا. سحابة الغاز التي تتشكل منها النجوم تشبه عجينة البيتزا، حيث تبدأ ككتلة وتدور قليلاً. تتكون النجوم من 99% من هذه العجينة، بينما تظل النسبة المتبقية تدور وتستطيل مع مرور الوقت، مما يؤدي إلى تشكيل كواكب تدور حول النجم مثل شرائح البيتزا”.

كانت الأرض في بداياتها بعيدة عن صورة الكوكب الأخضر المورق الذي نعرفه اليوم، ففي اللحظة التي تشكلت فيها، كانت لا تزال منصهرة بسبب الاصطدامات التي أدت إلى تكوينها، وذلك قبل أن تستقر المواد الثقيلة مثل الحديد، لتشكل نواتها، بينما ارتفعت العناصر الأخف إلى السطح. ومع مرور الوقت، شكلت الأرض طبقاتها المختلفة: نواة، وعباءة، وقشرة.

مع هدوء النظام الشمسي وتراجع عدد الكويكبات التي تصطدم بالأرض، تشكلت المحيطات وظهرت الحياة بسرعة. يوضح بوبينشالك: “بينما لم يكن البشر باستطاعتهم الصمود في هذه البيئة، فإن الحياة الخلوية استمرت بلا انقطاع لمدة تصل إلى 3.5 مليار سنة.”

حساب عمر الأرض وجيرانها

معرفة هذا الجدول الزمني تعتمد بشكل أساسي على الصخور التي نقف عليها، حيث إنها تعد المفتاح لتحديد عمر الأرض وما كانت عليه في الماضي، من خلال عملية تُعرف بالتأريخ الإشعاعي، يمكن للعلماء استخدام كميات مختلفة من العناصر المشعة لتحديد عمر الصخور. لكن الصخور الأرضية قد تكون صعبة التحليل، حيث يقول بوبينشالك: “الأرض مكان نشط ومزدحم. البراكين، والتآكل، والعمليات الجيولوجية تجعل من الصعب العثور على صخور تعود إلى زمن تشكل الأرض.”

ومع ذلك، تشكل القمر نتيجة اصطدام مع كوكبنا في مراحله الأولى، وهو لا يتأثر بالحركة التكتونية بين صفائح الصخور مثل الأرض. ساعدت عينات الصخور القمرية التي جلبها العلماء في الستينيات في تحسين تقديرات عمر كوكبنا، وتضيف العينات الجديدة التي جلبتها البعثات الفضائية الأكثر حداثة أيضًا فهمنا لتاريخ القمر.

أما بالنسبة للكواكب القريبة مثل المريخ، فنستطيع إرسال مركبات لجمع الصخور وتحليلها لتحديد عمرها. لكن كيف نحدد أعمار الكواكب حول النجوم أخرى التي تبعد عنا مسافات شاسعة؟

يقول بوبينشالك إن “أفضل طريقة للتعرف على عمر الكواكب حول نجوم أخرى هي دراسة النجوم نفسها”، موضحًا: “أتخصص في تقدير عمر النجم من خلال النظر إلى سرعة دورانه. النجوم الشابة تدور بسرعة، بينما تدور النجوم القديمة ببطء. إذا تمكنت من قياس معدل دوران النجم المضيف للكوكب، أستطيع تقدير عمره واستخدام رقم مشابه للكوكب.”

مع استمرار استكشافنا للكواكب الجديدة خارج نظامنا الشمسي، نقترب أكثر من فك رموز العمليات التي شكلت كوكبنا. هذه الاكتشافات لا تعزز فقط فهمنا لتاريخ الأرض، بل تفتح آفاقًا جديدة لاستكشاف مستقبل الكواكب الأخرى وكيف يمكن أن تؤثر على وجود الحياة في الكون.

 

المصدر: العلم
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments