لفت انتباه عالمة الأعصاب، جيمو بورجيغين، عدم توافر المعرفة الكافية بشأن ما يحدث في مخ الإنسان أثناء الاحتضار، على الرغم من أن “الموت جزء أساسي من الحياة”.
بدأ اهتمام العالمة بهذه الحقيقة منذ نحو عشر سنوات عن طريق “الصدفة البحتة”.
وقالت لبي بي سي نيوز موندو: “كنا نجري تجارب على فئران ونراقب إفرازاتها الكيميائية العصبية في المخ بعد إجراء جراحة، وفجأة مات اثنان من هذه الفئران”.
سمحت هذه التجارب لبورجيغين بمراقبة عملية موت المخ.
وأثارت رؤية الافرازات الهائلة لمادة السيروتونين، وهي مادة كيميائية تتحكم في المزاج النفسي، فضول عالمة الأعصاب.
تعريف الموت
وتضيف أن تركيز الجميع ينصب أثناء هذه العملية على حالة القلب: “إنها تسمى سكتة قلبية، ولا يقول أحد إنها سكتة دماغية”.
وتلفت بورجيغين إلى أن “الفهم العلمي يشير إلى أن المخ يبدو وكأنه معطل عن العمل نظرا لعدم وجود استجابة، لذا يعجز هؤلاء الأشخاص عن الكلام كما يعجزون عن الوقوف والجلوس”.
ويحتاج المخ إلى كثير من الأكسجين ليؤدي عمله، وإذا لم يضخ القلب الدم، فلن يصل إليه الأكسجين.
وعلى الرغم من ذلك أظهرت الدراسة التي أجرتها مع فريقها شيئا مختلفا.
المخ في حالة “نشاط مفرط”
رصد الفريق، في دراسة أجريت عام 2013 على الفئران، نشاطا مفرطا في العديد من الناقلات العصبية بعد توقف القلب في الحيوانات.
وتقول: “زاد السيروتونين بواقع 60 ضعفا، كما زاد إفراز الدوبامين، وهي مادة كيميائية تجعلك تشعر بالسعادة، بشكل كبير بواقع 40 إلى 60 ضعفا”.
ولفتت بورجيغين إلى أنه “من المستحيل رصد مثل هذه المستويات العالية من إفرازات المواد عندما يكون الكائن على قيد الحياة”.
كما نشر الفريق، في عام 2015، دراسة أخرى لمخ الفئران المحتضرة.
وتقول: “في كلتا الحالتين، أظهرت 100 في المئة من الحيوانات نشاطا وظيفيا كبيرا في المخ”.
موجات غاما
نشر الفريق دراسة، في عام 2023، ركزوا فيها على أربعة مرضى كانوا في غيبوبة ولايزالون على قيد الحياة بسبب وضعهم على أجهزة دعم، وجرى تزويدهم بأقطاب كهربائية تنظم كهرباء المخ من أجل رصد نشاطه.
كان هؤلاء الأشخاص الأربعة يحتضرون، واجتمع الأطباء وعائلاتهم و”اعتقدوا أنهم لا يستطيعون أن يقدموا لهم المساعدة، لذلك قرروا تركهم لمواجهة الموت”.
ورصد الباحثون أن اثنين من المرضى ظهر عليهما نشاطا كبيرا في المخ، مما يدل على وجود وظائف إدراكية.
كما اكتشفوا وجود موجات غاما، وهي أسرع موجات المخ، وتعمل موجات غاما على معالجة المعلومات المعقدة والذاكرة.
ورصد الباحثون وجود نشاط مفرط، لدى أحد المرضى، في الفص الصدغي على جانبي المخ.
وتشير بورجيغين إلى أن الفص الصدغي الأيمن معروف بأنه مهم جدا في توليد إحساس بالآخرين: “يقول العديد من المرضى الذين نجوا من السكتة القلبية ولديهم تجارب الاقتراب من الموت إن ذلك جعلهم أفضل، وعزز قدرتهم على الإحساس بالآخرين”.
تجارب الاقتراب من الموت
يقول بعض الأشخاص الذين عاشوا تجربة الاقتراب من الموت أنهم استطاعوا رؤية مشاهد من حياتهم تومض أمام أعينهم أو تذكروا لحظات مهمة.
ويضيف كثيرون أنهم رأوا ضوءا كثيفا، بينما يصف آخرون تجاربهم بأنها كانت خارج الجسم مع مراقبة المشهد من أعلى.
والسؤال هل يمكن للنشاط المفرط للمخ، الذي رصدته بورجيغين في دراساتها، أن يفسر سبب تعرض بعض الأشخاص لمثل هذه التجارب الكثيرة التي اقتربوا فيها من حافة الموت؟
وتقول: “نعم، أعتقد ذلك”.
وتقول إنه في حالة المريضين اللذين لوحظ فيهما وجود نشاط مفرط للمخ بعد إيقاف أجهزة التنفس الاصطناعي، أظهرت القشرة البصرية لديهما (التي تدعم الرؤية الإدراكية) وجود نشاط مكثف “يحتمل أن يرتبط بهذه التجربة البصرية”.
فهم جديد
تعترف بورجيغين بأن دراستها على البشر صغيرة جدا ولا يزال توجد حاجة إلى إجراء مزيد من الدراسات بشأن ما يحدث في المخ أثناء الاحتضار.
وعلى الرغم من ذلك، بعد أكثر من 10 سنوات من الدراسة في هذا المجال، يوجد شيء واحد واضح لها: “أعتقد أنه بدلا من الحديث عن تراجع نشاط المخ، على النقيض يكون في حالة نشاط مفرط أثناء السكتة القلبية”.