عرضتها فرقة “تياترو” بمسرح المتحف الوطني ضمن فعاليات “الكويت للمونودراما”
مفرح حجاب
قدمت فرقة “تياترو” مسرحية “الحارس”، ضمن فعاليات الدورة السابعة لمهرجان الكويت الدولي للمونودراما، على مسرح المتحف الوطني وسط حضور جماهيري كبير ملأ قاعة المسرح، والعرض من تأليف مالك القلاف، إخراج هاني النصار، تمثيل يوسف الحربي، والسينوغرافيا فهد المذن.
وضع المشهد الأول من العرض الحضور أمام رؤية مشوقة، حيث ظهر حارس ثلاجة الموتى من تحت أنقاض المسرح نائما غير مهتم بارتداء كامل ملابسه في فضاء المسرح، ليتعامل مع الجثث الموجودة ويصنفهم بالأرقام، لكن من الواضح ان التأثيرات الخارجية وصعوبة الحياة والضغوط النفسية، التي يتعرض لها الحارس أثرت بالتبعية على تعامله مع هذه الجثث، فهو يعاني من الفقر والفساد المتفشي، وحاول أن يجسد الممثل الحربي هذا الفساد من خلال تعامله مع الجثث، حيث اعتقد ان من يقوم على حراسته هو شخص فاسد مرتشي، لكن اتضح في النهاية انه شخصية مهمة، فالعرض تناول أوجه كثيرة من الفساد لكنه وضعنا في النهاية امام لعبة الفضاء الكاشف، الفضاء الذي لا يمثل المكان الداعم للأشياء، بل هو منصة حاملة للأجساد، فالمشهد الذي يتم تقديمه هو مسرح ميلادها ومصدرها، وما اللحظة الاولى سوى لحظة البدء والختام معا عبر حارس الموتي لا حفار القبور، الحارس الذي يبحث عن الأمل الذي يحرك ويحرر الا انه هنا يسجن أيضا وهو الذي يشكلنا ويفككنا في لعبة المراوغة، والتي تكفل للحارس السيطرة على الجسد الميت يبقيه ويلاعبه ويسجنه ويقضي عليه بل يجعله يولد من جديد.
هي حالة ميلاد الا انها مجهضة فكل الألعاب لا مكسب فيها ولا لذة، حتى السعي نحو اللعبة يبدو وكأنه نور متوهج ومتقلب وملهم ومتغير، مشعل من الداخل يخترق الروح ويشع من الوسط ويفيض ويصعد، وكل مرة لا يحصد الحارس شيئا بل يحصد نارا يغلقها ويفتحها، آخذا الجسد من أسفل في عمق الأرض بل في اعماقنا نحن، لتتحول اللعبة الى مأساة التواجد هنا، فالنور يأتي من أسفل والقادم من أسفل ورفاق اللعبة من أسفل في توظيف ماكر من مخرج صاحب خبرة طويلة يعي تماما كيف يحرك اللعبة ويهوى الزحام، وكأنه في تحد مستمر مع الزحام وكيفية توظيف كل شيء على الخشبة. وكانت السينوغرافيا خير داعم له، لدرجة ان العرض لو كان صامتا لوصلت رسالته ايضا عبر مخرج متمرس واع ومصمم سينوغرافيا لديه تصميم على اقتحام النص من عمق عقل المتلقي، أما الممثل فاستخدم بخبرته المعروفة كل شيء متاح في لعبة الأداء.
صحيح أن الأداء مع الجثة ليس لعبة جديدة، انما الاستخدام هنا في هذا العرض هو الجديد والجاد، فالجثة ستصاب وكأن الحياة ذاتها تفر منا مثلما يعود النص من الموت، فالحارس رجل يعيد انتصاب الجثة ليستطيع الممثل فقط من خلال قدرته على قلب الحدث أن يعيد دورة النص ويجعله ينهض وينتصب وكأنه ينشئ مذبحا، هذا المذبح في حاجة إلى قربان، فنحن نذهب للمسرح لنرى لغة جسدنا، نسمع الممثل ونصغي إليه وهو يبعث الحروف الميتة، يتقدم ويسلم لنا الكلمات التي لم يعد يتذكرها، يعطينا مالا يعرفه فهو لا يعود للنص انما يعود لنصه الأصلي وتلك هي المسافة بين فضاء المسرح الكاشف ولعبة المنصة حاملة الأجساد في عرض جيد، وأعتقد أنه في حاجة لاختزال بعض المناطق أو التخفيف منها كالأصوات وظهور الدمى على الكراسي، لكن في كل الأحوال نجح العرض في تقديم رسالة بشكل مغاير تماما عن العروض السابقة في التكنيك الفني والأداء على الخشبة.