«اغتصاب»… هموم الفلسطيني في قالب درامي هز المشاعر

انطلق أمس الأول عرض مسرحية «اغتصاب» للكاتب سعد الله ونوس، تتويجا للعديد من التجارب المسرحية التي تناولت القضية الفلسطينية، حيث نقلت بموضوعية هموم وقضايا الإنسان الفلسطيني في قالب درامي هز المشاعر، وأبرز صمود وثبات هذا الشعب العربي في مواجهة الظلم والقتل الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي بحقه.

واستعرضت المسرحية، التي قدمتها فرقة مسرح الشباب (الهيئة العامة للشباب) ضمن فعاليات مهرجان الكويت المسرحي الـ24، بعض تفاصيل حياة الفلسطينيين، مع التركيز على الأثر النفسي الذي يتركه الاحتلال على الأفراد والعائلات، من خلال حكاية رجلين، الأول شاب ينتمي إلى أسرة فلسطينية بسيطة تعاني من التشرد على أرضها، ويتم اعتقاله، والثاني رجل أمن إسرائيلي يستغل سلطته ليقوم بتعذيب الشاب الفلسطيني، ويظهر أثناء ذلك الحقد والكراهية التي لدى الإسرائيليين الصهاينة تجاه العرب.

الشخصيات في مسرحية «اغتصاب» لم تكن فقط مجرد رموز لتسليط الضوء على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل تجسد لمجموعة من المشاعر الإنسانية المرتبطة بـ«المقاومة، الهوية، الانتماء، الأمل، اليأس، الغضب، الحنين إلى الوطن»، وقد لعب المخرج خالد أمين دورا محوريا في إيصال هذه المشاعر لنا من خلال توجيه أداء الممثلين وضبط الأداء على خشبة المسرح لتقديم كل شخصية بما يتناسب مع سياق النص بعيدا عن المبالغة، مما حافظ على توازن العرض دون أن يكون هناك اختلال في الإيقاع أو الأسلوب.

أداء الممثلين

وتميز أداء الممثلين بالاحترافية والموضوعية، حيث حرصوا على تجسيد أدوارهم بشكل واقعي دون تدخل العواطف، فكانوا على قدر المسؤولية، وهم: د. أحلام حسن، مصعب السالم، رازي الشطي، محمد الرقادي، مصطفى محمود، أحمد الرشيدي، فرح الحجلي، أسرار الدوسري، حمد الكندري، إسحاق اشكناني، يحيى الحراصي، منيرة قوشتي، خالد الديحاني، بشار العجيرب، يعقوب جهوري، عبدالرزاق الداؤود، هؤلاء جميعا اتسم أداؤهم للشخصيات بالدقة والاحتراف.

وأسهمت السينوغرافيا بشكل كبير في خلق أجواء تعكس واقع الفلسطينيين تحت الاحتلال، حيث استخدم المخرج خالد أمين عناصر في الديكور عكست الخراب والفوضى التي ترتبط بالصراع، كما ساهمت الإضاءة في إبراز لحظات الانتقال بين المشاعر المتناقضة، بينما كانت الموسيقى جزءا لا يتجزأ من العرض، فقد تم اختيارها بشكل مدروس، وكانت تتفاعل مع الأداء التمثيلي بصورة متناغمة.

لوحة ملحمية

وفي كلمة لمخرج المسرحية قال أمين: «فلسطين كنت وما زلت فلسطين، كنت وما زلت قبلة، كنت وما زلت قلبا ينزف بظلم الصهاينة، كنت فلسطين وما زلت فلسطين رغم كل ما حدث ويحدث فأنت قبلة للنضال»، مضيفا أن المسرحية عبارة عن رسالة كتبها ونوس منذ 34 سنة، رسم من خلالها لوحة ملحمية لقضية إنسانية اسمها «فلسطين الصمود»، والتي تعلمنا من خلالها معنى الحياة بإنسانية وكرامة.

وعلى هامش المسرحية، أشاد الفنان حسن إبراهيم بالعرض المسرحي، مؤكدا أن القضية الفلسطينية تشغل ذهن المجتمع الكويتي، لافتا إلى أن المجهود الذي قدمه فريق العمل جميل جداً، أما الفنان مصعب السالم فقال إنه جسد دورين هما الحاخام الإسرائيلي، وشخصية إسماعيل وهو الشاب الفلسطيني الذي تم اعتقاله وتعذيبه ومن ثم قتله.

وأكد السالم أن لدى المسرح قدرة على توصيل الرسالة، لافتا إلى أنه في نشأة المسرح باليونان كان يطلق عليه «عيون المدينة»، وأشاد بالمهرجان في دورته الحالية وتنوع عروضه.

وذكرت الفنانة الحجلي أن مسرحية «اغتصاب» عبارة عن تسجيل موقف مع الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، وإظهار كلمة الحق ضد العدو الصهيوني. وأفاد الفنان أحمد الراشدي بأنه جسد القائد الإسرائيلي «مائير»، مبينا أنه سعيد بالمشاركة في المهرجان، الذي يعد من أفضل المهرجانات المحلية.

وبعد انتهاء العرض المسرحي أقيمت في قاعة الندوات بمسرح الدسمة الندوة التعقيبية، التي أدارتها أسماء عيسى، وتحدث فيها خالد الباز، ومازن الغرباوي، اللذان ناقشا عدة عناصر تضمنتها المسرحية بعد قراءتهما النص ومشاهدتهما للعرض.

حلقة نقاشية

إلى جانب ذلك أقيمت حلقة نقاشية في المركز الإعلامي بفندق كراون بلازا، ضمن فعاليات المهرجان، وتكونت الحلقة من محورين، الأول مفهوم المخرج المسرحي لقراءة النص، وقدمها د. نعمان كدوه من السعودية، ونورة الادريسي من المغرب، وعبدالكريم بن جواد من عمان، أما المحور الثاني فحمل عنوان «أثر مسرح غروتوفسكي على العروض المشاركة بالمهرجانات النوعية في الكويت» وقدمها د. مدحت الكاشف من مصر، ود. سامي الجمعان من السعودية، وأدار الحلقتين د. نورية الرومي.

واستهل كدوه الحلقة النقاشية باستعراض مفهوم قراءة المخرج للنص من منظور تقاطع إنتاج إبداع فني مواز للنص المسرحي أو المسرح مع غايات «فكرية أو وجدانية، أو رؤيوية فنية»؛ تتوسط تلقي الإبداع – المتمثل في العرض – جماهيريا أو نقديا.

من جانبها، تطرقت الادريسي إلى مفهوم النص المثقوب، وهي نظرية للباحثة الفرنسية آن أوبر سفيلد في كتاب «مدرسة المتفرج»، حيث بينت أن أي نص مسرحي مهما بلغت قوته، ومهما بلغت شهرة كاتبه فهو نص غير مكتمل، وعلى المخرج أن يكمل فراغاته.

بدوره، قدم بن جواد ورقة بعنوان «خمس خطوات لمفهوم المخرج المسرحي لقراءة النص»، ليقول إن «قراءة النص من قبل المخرج تأخذ مسارات مختلفة، فلكل مخرج رؤيته وطريقته، ومن الصعوبة بمكان أن نجمل منهجية ثابتة أو آليات ممارسة محددة، فالمخرج المسرحي هو في الدرجة الأولى فنان مبدع، والفن في كل الأحوال مادة إلهامية عصية على التوصيف والتقنين والقولبة».

الأساطير الموروثة

وفي المحور الثاني قدم د. كاشف ورقة بحثية، من مقتطفاتها: جاء مسرح البولندي جروتوفسكي مركزا على الإنسان الفرد في إطار مسرح علاجي ذي طابع اجتماعي، حيث بدأ بالتمييز بين الأساطير الموروثة والمستنبتة من الثقافة، وبين واقع الإنسان المعاصر، مستنداً إلى فكرة مؤداها أن الأساطير والصورة الفنية ظهرتا نتيجة السعي إلى التوحيد بين البشر، ورأى أنه لابد أن يهاجم المسرح ما يطلق عليه «المشكلات الاجتماعية» التي يعيشها أفراد المجتمع، ومن ثم، قام جروتوفسكي بإقامة نوع من المواجهة مع هذه الأساطير (الجماعية)، من أجل أن يزيد وعي المتفرج بشخصيته من ناحية، وبعلاقته مع المجتمع من ناحية أخرى.

وفي ملخص الورقة التي قدمها د. الجمعان قال: «نتساءل دائما عن امتداد أثر النظريات المسرحية على العروض في أنحاء العالم، كنظرية البولندي ييجي ماريان غروتوفسكي، الذي أسس لنظرية في بناء العرض المسرحي شاع أثرها عالميا، ولا شك في أن الكويت بمسرحها العريق أحد هذه المسارح المتأثرة بمثل هذه النظرية، ويدعم ذلك الأثر وجود المعهد العالي للفنون المسرحية في الساحة الأكاديمية الكويتية، الأمر الذي صنع أجيالا متعلمة، درست النظريات المسرحية بشتى توجهاتها».

 

المصدر: الجريدة
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments